إن المكانة البارزة التي يحتلها الاحتفال بعيد العرش تجد سندها في الدلالة الرمزية التي تمثلها هذه الذكرى في الوعي الوطني، والتي تظهر قوة الالتحام بين العرش والشعب، حيث أن فكرة تخليد ذكرى اعتلاء الملك العرش كانت مبادرة نابعة من شباب وطنيين متحمسين حين احتفلوا بشكل غير رسمي بذكرى اعتلاء السلطان محمد بن يوسف العرش بتاريخ 18 نونبر 1933. ونجد أن الدلالات الرمزية الكبرى للاحتفال بعيد العرش في التاريخ المغربي الحديث تتجسد في البيعة بين العرش والشعب، وهذا الالتحام والتشبث الراسخ بتخليد هذا العيد الوطني جريا على العادات والتقاليد العريقة للمملكة يبرهن للعالم بأسره تعلق الشعب المغربي الدائم بالعرش العلوي المجيد، وهو ما أشار إليه المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة الذكرى الـ19 لثورة الملك والشعب سنة 1963 واصفا هذه العلاقة المتينة بالرابطة التي نسج التاريخ خيوطها بعواطف المحبة المشتركة، والأهداف الموحدة التي قامت على تقوى من الله ورضوانه، يقول المغفور له الحسن الثاني.
من جهة أخرى يعبر ولاء الشعب المغربي لملكه عن إجماع واضح حول تشبث المغاربة بالوحدة الترابية للمملكة ورغبتهم في صون حرمتها، والذود عن حماها اعتبارا لكون الملك رمزا للوحدة والتكامل والتماسك الترابي بين مختلف مناطق البلاد. كما أن الاحتفال بعيد العرش أراده المغاربة أن يكون تعبيرا عن العهد بين العرش والشعب. فمنذ عام 1934 أصبح الاحتفال به يأخذ طابعا رسميا ومؤسساتيا. وهكذا ظهر عيد العرش وتواصل سنويا كعيد رسمي يجسد شعار “الشعب بالعرش والعرش بالشعب”.
ومن الأدلة الحية على هذا الالتحام هو تأكيد الدساتير المغربية على روح علاقة البيعة التاريخية بين الملك وشعبه، وتنظيم المسيرة المظفرة ملكا وشعبا لاسترجاع الصحراء المغربية سنة 1975، والتصويت بأغلبية ساحقة على دستور 2011، الذي أرسى أسس دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية.
لقد شكل الاحتفال بهذا العيد في عهد الملك محمد السادس نقطة انطلاق لعهد جديد ومفهوم جديد للتعاطي مع القضايا الوطنية، والتخطيط لمستقبل البلاد برؤية استشرافية هادفة، وبلورة سياسة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تغيير وجه المغرب باعتباره بلدا صاعدا تواجهه العديد من التحديات. لقد نجح المغرب بفضل القرارات الجريئة والمبادرات الخلاقة لجلالة الملك محمد السادس في أن يصبح قوة إقليمية لها مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ ورسخ مسار البناء الجماعي لمغرب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم.