أنت تزور بانتظام المغرب، لكن هذه هي المرة الأولى التي تسافر فيها إلى الأقاليم الجنوبية، حيث قمتم بزيارة مدينتي العيون والسمارة. ما هو سياق زيارتك؟
إن معرفة المغرب، مثل الجزائر أو تونس، هو أمر طبيعي تماما بالنسبة لي، بالنظر إلى أنني أعتبر نفسي قبل كل شيء مغاربي. تأتي زيارتي للأقاليم الجنوبية في سياق دعوة وجهتها إلي التنسيقية المغاربية لدعم مقترح الحكم الذاتي، وهي منظمة غير حكومية يرأسها وليد كبير، وهو كاتب جزائري مقيم في وجدة. بالنسبة لي، كانت فرصة لاكتشاف هذه المدن، وقد اندهشت مما رأيته. لا أستطيع أن أقول كم أذهلني جمال الأمكنة التي زرتها، وكذلك الإنجازات التي تحققت في هذه المنطقة. قبل 40 عاما، مع رحيل الإسبان، لم تكن مدينة مثل السمارة تتوفر حتى على مدرسة. اليوم، لديها 36 مدرسة، بالإضافة إلى كلية متعددة التخصصات. هذه الإنجازات تعني أن الصحراء لم تعد تلك المنطقة المقفرة حيث تصعب الحياة. على العكس من ذلك، فإن أولئك الذين يعيشون هناك يستمتعون. عندما تكون هناك مساحات خضراء، توجد الحياة.
هل الواقع الاجتماعي الاقتصادي الذي رأيته في الصحراء يتوافق مع الأفكار التي كانت لديك في السابق عن هذه المنطقة؟
أولئك الذين لم يروا (ما عاينته بأم عيني) بأعينهم لن يتمكنوا من معرفة ما يحدث في هذه المنطقة. شخصيا، قمت بزيارة مصنع لتعليب السمك ومحطة لتحلية مياه البحر ومنشآت رياضية والسوق المركزي (الذي لا يمكنك أن تجد حتى مثله في المدن الأوروبية)... الاهتمام بالذهاب إلى الأماكن هو رؤية ما تم تحقيقه بشكل مباشر وما سيتم تحقيقه. عندما نرى أن هناك كلية للطب في العيون ومستشفى جامعي، فهذا بكل بساطة شيء رائع. بل إن فريق أي سي ميلان الإيطالي لديه مدرسة لكرة القدم في هذه المدينة. ولم أكن أتخيل وجود كل هذه البنى التحتية.
أثناء زيارتكم للأقاليم الجنوبية، صرحت أن المغرب كان (بالفعل) يجسد مقترحه للحكم الذاتي في الصحراء. في أي الجوانب تجلى لكم ذلك؟
خلال هذه الزيارة، تمكنت من مقابلة السلطات المحلية والمنتخبين في السمارة والعيون. رأينا أن الحكم الذاتي يمارس فعليا وأننا لسنا بحاجة إلى انتظار الضوء الأخضر من أي طرف. بالإضافة إلى ذلك، تساءلت عن سبب وجود الكثير من الضوضاء حول الحكم الذاتي ولماذا هناك حاجة إلى إبرام اتفاق مع البوليساريو، التي تعرف جيدا ما هو هذا الحكم الذاتي. وهذا قبل عام 2007 (تاريخ تقديم المقترح من قبل المغرب إلى الأمم المتحدة) ولكن في عام 1989، عندما استقبل الملك الحسن الثاني، رحمه الله، ممثلين عن الحركة الانفصالية في مراكش وقدم لهم المشروع. ومع ذلك، حتى الآن، لم ترد البوليساريو. إنه خطأ لأنك عندما ترفض مناقشة هذا المشروع، فإنك تصبح عدميا.
هل يعرف الرأي العام الجزائري هذه الحقائق الملموسة التي تمكنتم من معاينتها في المنطقة ومشاريع التنمية المنجزة أو هي قيد الإنجاز؟
كيف تريدون أن يعرف الرأي الجزائري أو التونسي أو حتى المغربي حقيقة هذه المنطقة في ظل غياب تام لاستراتيجية تواصلية حول هذه الأقاليم الجنوبية؟
كيف تقيمون الموقف الحالي للسلطة الجزائرية من مسألة الصحراء؟ هل يتماشى مع الواقع على الأرض وهل يخدم حقا مصالح الصحراويين؟
مشكلة النظام الجزائري ليست مع المغرب بل مع الشعب الجزائري. هذا النظام، في أعماقه، مقتنع بأنه لا يحظى بشعبية. إنه يعاني من انعدام الشرعية. فما الذي يمكن أن نتوقعه من شخص غير شرعي، من وغد لا يحترم أية قاعدة أو أي قانون، إن لم ينقلب على من يرفض منحه الشرعية التي يحتاجها؟ إن العدو بالنسبة للسلطة الجزائرية هم الجزائريون أنفسهم.
تدعم العديد من الدول مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب. ومن بينهم إسبانيا مع رد الفعل الذي نعرفه للسطلة الجزائرية التي أرادت تعليق تعاونها مع هذا البلد. ما رأيكم في ذلك؟
لماذا لا نتحدث عن الدعم الأمريكي، فالولايات المتحدة ذهبت إلى أبعد من الإسبان من خلال عدم اقتصارها على دعم مخطط الحكم الذاتي ولكن الاعتراف بمغربية الصحراء؟ الحقيقة هي أن النظام الجزائري لن يجرؤ أبدا على رفع صوته أمام الولايات المتحدة ويفضل مهاجمة إسبانيا، التي اتخذت موقفا في قضية لطالما أعلنت الجزائر أنها غير معنية بها. في الجانب الجزائري، لم تنبس الجزائر ولو بكلمة واحدة عن المناورات العسكرية "الأسد الإفريقي" التي ستجري 20 يونيو على مقربة من الحدود الجزائرية وعلى أرض تنازع الجزائر المغرب عليها. في غضون ذلك، فإن النظام الجزائري طأطأ رأسه ولا يمتلك الشجاعة للرد. لأنه في مواجهة قوة. هذا النظام لم يتوقف عن اتهام المغرب بالعدوان وتمويل حركة استقلال القبايل وإيواء المعارضين. بينما أنا، على سبيل المثال، لم أستطع حتى الاستفادة من وضع لاجئ في المغرب. ومع ذلك فأنا لم أطلب ذلك. إنه نفس النظام الذي سيرى جيوش عدة دول، وعلى رأسها الولايات المتحدة توجه أسلحتها في اتجاهه خلال هذه المناورات. ولا يمكنه قول أي شيء.
كما أننا ننسى إحجام السلطة الجزائرية عن الرد على فرنسا، في حين أن هذا البلد هو الذي يأوي المعارضين وأعضاء حركة الماك. السبب بسيط للغاية: أولئك الذين يتولون زمام القيادة في الجزائر ليسوا سوى أوغاد خدام فرنسا، حيث قاموا بتحويل أموالهم وحيث يتوفرون على ممتلكات. تقوم حركة الماك (الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبايل) بتظاهرات كل نهاية أسبوع في شوارع باريس، دون أن تجرؤ الجزائر على الاحتجاج. وهذا يثبت ضعف وجبن نظام لا يهاجم إلا القوى التي لا تستطيع الرد عليه.
في نفس السياق، كيف يمكن تفسير هذا التهجم على إسبانيا من طرف هذا البلد الذي يدعي مع ذلك أنه محايد وغير معني بقضية الصحراء؟
نحن أمام نظام يديره أشخاص مختلون عقليا. عندما يقول بأنه "غير معني" بمسألة الصحراء، يجب عليه أن يترك البوليساريو تتفاوض عن نفسها وتتصرف بحرية. لكن جبهة البوليساريو مروضة وهي في خدمة سلطة فاقدة للشرعية في الداخل، مع رئيس معين، بنسبة مشاركة في الانتخابات التي أوصلته لمنصبه لا تتجاوز 34٪. وذلك على الرغم من التزوير. الجزائر ليس لديها لا رئيس ولا دستور، ولا حتى برلمان، فالاستفتاء الأخير والانتخابات التشريعية الأخيرة قد قاطعها الجزائريون. كل هذا بسبب خطأ نظام يرفض منح الشعب الجزائري حقه في تقرير المصير. وبدلا من ذلك، يطالب بهذا الحق للسكان الصحراويين المحتجزين في تندوف.
لقد ذكرتم عبارة "محتجزين"...
أنا أعرف البوليساريو. وأنا نفسي لاجئ. أستطيع أن أقول لكم إنهم وأنا لا نمتلك نفس الوضعية أو نفس الحقوق. اللاجئ له الحق في جواز سفر ويمكنه التنقل بكل حرية، فهو ليس رهينة في المخيم. صحراويو تندوف ليس لديهم أي من كل ذلك. إنني أتحدث هنا بكل موضوعية: يتعلق الأمر هنا باحتجاز.
أنت من أشد المدافعين عن الوحدة بين الشعوب المغاربية، وهي الوحدة التي تعرقلها واقعيا السلطة الجزائرية. هل يمكن للتغيير على رأس هذه السلطة أن يفتح آفاقًا جديدة في هذا الصدد؟
كان من المقرر أن يتم تغيير النظام في عام 2019، عندما قدم الشعب الجزائري للعالم أجمل درس من خلال تنظيم مظاهرات شعبية شارك فيها ملايين الناس في جميع مدن البلاد. كل ذلك بالغناء والرقص والمزاح. لسوء الحظ، استولى قطاع طرق، الذين كانوا أيضا من أتباع نظام بوتفليقة القديم، على السلطة وسرقوا ثورة الجزائريين، بعد أن سرقوا نفطهم وثرواتهم. لا نتوقع أقل من رحيلهم. من أجل ذلك، سنحتاج إلى حراك جديد، سلمي دائما.
هل تؤمن بعودة الحراك؟
كل شيء ممكن. والدليل هو أن النظام يفعل كل شيء لضمان عدم عودة الحراك. تراجع وباء كوفيد-19 الآن، ولكن ملاعب كرة القدم لا تزال مغلقة أمام الجمهور. بكل بساطة لأنه في الملاعب ولد الحراك. عندما استضاف شباب بلوزداد الوداد في الجزائر (في ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا) تم ملء الملعب بالجنود ورجال الشرطة في ثياب مدنية لتجنب شعارات الحراك، وبدلا منها تم تفضيل ترديد شعارات وقحة ومسيئة لا تليق بالجزائر. وعلى عكس كل دول العالم، جعل النظام الجزائري من فيروس كورونا حليفه ضد الشعب الجزائري. كما انتهز الفرصة لإغلاق الحدود البرية مع تونس التي كان من سوء حظها عدم السير على خطى الجنرالات. النتيجة: النظام يعاقب الجزائريين الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المغرب أو تونس، ولكن أيضا تونس.
عملتم في الماضي كرئيس تحرير لمجلة الجيش الجزائرية الشهرية، والتي تتميز حاليا بتهجماتها ضد المغرب. ما الذي يفسر مثل هذا العنف؟
الطريف هو أن المسؤول الحالي عن هذه المجلة كان يشتغل تحت إمرتي في الماضي. لقد كان دائما يمتاز بافتقاره للثقافة. أستطيع أن أخبركم أنه لم يكتب جملة قط، لكنه طيع وسهل الانقياد. إنه مجرد منفذ. هو مجرد جندي يرتدي بزة جنرال ولا يمكنه إلا أن يقول "نعم سيدي". هذا هو حال كل الجنرالات الجزائريين الحاليين. رئيسه ليس سوى مجرم اسمه سعيد شنقريحة. والمجلة مصممة خصيصا لتعرض صوره وتنشر جميع أنشطته وتمجده.
ومع ذلك، فإن مجلة الجيش هي مجلة عسكرية. لنتصفح جميع المجلات العسكرية في العالم. لن تجد واحدة تتهجم على دولة أخرى سواء كانت مجاورة أو بعيدة وتبرع في السب والشتم. مجلة الجيش تفعل ذلك. أصبح السب سلاحا ضد البلدان التي لم تعد تهتم بالرد علينا والتي تتجاهلنا. ما يميز الجيش أنه لا يتكلم ولا يثرثر. تكاليف جيشنا 12 مليار دولار في السنة. أقل ما يمكننا فعله هو أنه عندما يشكل العدو مشكلة لنا، يجب أن نواجهه عسكريا.
بعد أن تعرضتم للقمع وأجبرتم على العيش في المنفى، وعوملتم كإرهابي، كما تم تهديدكم بالقتل من قبل النظام الجزائري. هل تخشون على سلامتكم اليوم؟ هل أنتم محميون؟
أنا في المنفى منذ عام 1987. لقد حاربت كل الأنظمة التي تعاقبت على رأس الجزائر. صدرت بحقي أربعة أحكام بالسجن في عهد ليامين زروال. نفس الشيء في عهد بوتفليقة. حتى أنني تعرضت لمحاولة اختطاف واغتيال، والقضية معروضة على المحاكم الفرنسية والبلجيكية. كانت هناك فترة قصيرة عدت فيها إلى الجزائر، بين فاتح نونبر 2011 و10 غشت 2013، لكني بقيت حرا في كتاباتي. هذا لم يرق للنظام القائم. لذلك عدت إلى المنفى.
أنا شديد التدين. أنا لا أخاف إلا من الذي لا أراه والذي أسجد أمامه كل يوم. وهو من يحميني، لأن الشخص الذي استخدم كطعم للوصول إلي هو الشخص نفسه الذي ساعدني وزودني بالتسجيلات والعناصر الأخرى التي استندت إليها في قضيتي في المحكمة، ضد الأشخاص الذين أرادوا اغتيالي.
تصوير ومونتاج: خديجة صبار وعادل كدروز