إنها كما حددها "Raymond Aron" تلك الأقليات الاستراتيجية التي توجد في مواقع استراتيجية من المجتمع، وتتحكم في السلطة ليس فقط داخل مجالها الخاص، ولكن أيضا في مجال القضايا العامة.
بناء على ذلك كان من الطبيعي أن تتوافر لكل مجتمع من المجتمعات، بغض النظر عن درجة نمائه وتطوره، نخبة تحظى بأهمية كبرى على مستوى قيادة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
إن هذا يدعونا إلى البحث في موضوع القرار العام، لأنه من أهم الإشكالات التي أصبحت تثير اهتمامات البحث في مجال علاقة السلطة السياسية وبنية النظام السياسي.
إن القرار العام قد أصبح بشكل متزايد مجالا للاكراهات والاستراتيجيات، لذلك فان النخبة عندما نربطها بمسألة القرار العام، تبقى أساسا علاقة صراعات واستراتيجيات، إنها تتجاوز بعدها القانوني وحتى المؤسساتي، لتصبح شأن أشخاص تعكس ميولاتهم وتصوراتهم حول القرارات وتخدم رهاناتهم حول السياسات العامة، وهذا ما يتجسد فعليا على أرض الواقع في النخبة العسكرية الجزائرية صانعة القرار الجزائري والتي تدير كل الملفات الأمنية والاقليمية والدولية، بل وتفرض وجهة نظرها على توجهات السياسة الخارجية الجزائرية وعلى رأسها الحفاظ على العداء الاستراتيجي مع المغرب، في سياق اقتصادي ريعي يعتمد على الفساد والتهريب.
إن الأشقاء الجزائريين يدركون تماما أن المؤسسة العسكرية هي الحاكم الفعلي للبلاد، إنها دولة داخل دولة، ويطلقون على حكم الجنرالات والدولة العميقة"le pouvoir" أو "the power"وهي تجمع مؤثر من الأوساط الداخلية للنظام الحاكم، اذ اشتهرت الجزائر بأنها "الديمقراطية الخاضعة للسيطرة" أو البلد الذي يحق فيه للقوات المسلحة و"النخبة المختارة" اتخاذ القرارات الرئيسية، بما في ذلك اختيار الرئيس نفسه [Daoud, Kamel.(2015,may29).the Algerian exception.The newyork Times.(accessed on 7 may,2019) Retrieved from].
لقد أضحى الجنرالات يتمتعون بإمكانية الوصول إلى مراكز المال والأعمال، ولتوطيد أركان حكمهم أتقن الجنرالات اللعب على أوتار الوطنية والقومية والحفاظ على مكتسبات القوة الضاربة ومحاربة الارهاب ودعم حركات التحرر من طرف الجزائر قبلة الشهداء والثوريين والتصدي لمؤامرات العدو الخارجي والحفاظ على العداء الاستراتيجي مع المغرب.
نعم إن عداء المغرب الدولة الأمة ذات التاريخ الحضاري العريق، أصبح عقيدة وايديولوجية ثابثة، يحاول نظام الجنرالات ترسيخها في الأجيال المقبلة عبر حشرها ضمن المقررات التعليمية، ولعل آخر هرطقات هذا النظام العسكري الجزائري، هو الإدلاء عبر مقال بجريدة "Algerie patriotique" وهي الجريدة المعروفة بقربها من الجنرالات، هو أن كل المغاربة المتواجدين حاليا في الجزائر، هم بمثابة جواسيس للمخزن والموساد الاسرائيلي، وهم بمثابة خطر على الأمن القومي، محرضة بضرورة طرد المغاربة بل وتشجيع الأشقاء الجزائريين الانخراط في هذه الحرب المقدسة.
إن هذا التحريض الذي يدعو إلى العنف والكراهية والذي يأتي ضدا على كل المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المهاجرين وضد مبادئ القانون الدولي الانساني، يذكرنا بما قام به "بومدين" سنة 1975حينما قام بطرد أزيد من 45 ألف أسرة مغربية من الجزائر في إطار ما أسماه بـ "المسيرة السوداء".
الآن وبعد استعراضنا لما سبق، نؤكد لجنرالات الجزائر، أن المغرب لن ينجر لحماقاتهم، ولن نقوم بأي اجراء سلبي تجاه أشقائنا الجزائريين المتواجدين بين ضهرانيينا، والذين تربطنا وإياهم رابطة العرق واللغة والدين والدم والتاريخ المشترك، وأن لنا كامل الأمل والثقة في الحراك الجزائري المبارك، والذي بفضله ستحرر إرادة الشعب الجزائري المغلوب على أمره وفك الارتباط من حكم النزوات الفردية.. هذا الحراك الذي يحاول أن يرسم أهدافه مستقبلا من أجل بلورة رأي عام ينتصر للديمقراطية وللفكر المغاربي، وفي إنتاج خطاب يحيي الأمل في الانتقال من نمط مركزية القرار، إلى قرار تداولي.. إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.