قمة الجامعة العربية لن تنعقد في الجزائر. ليس في مارس ولا في الربيع ولا حتى الصيف المقبل. هناك حديث عن قمة "بشروط" في الجزائر في نهاية عام 2022، بحسب ما علمه Le360 من مصدر مطلع في القاهرة.
قصاصة لوكالة الأنباء الجزائرية بتاريخ 19 يناير تتحدث عن مؤتمر صحفي عقده نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي. وحتى لا يحرج النظام الجزائري أكثر مما هو عليه بالفعل، أكد الأخير أن موعد قمة الجامعة العربية سيحدد في مارس، وأن "المؤكد أن القمة العربية لن تكون قبل شهر رمضان الذي سيحل في أبريل القادم".
حتى لو تم الإعلان، بكلمات دبلوماسية، عن تأجيل القمة إلى أجل غير مسمى، فإن هذا الإعلان في حد تكذيب للرئيس تبون الذي أعلن عن عقد هذه القمة العربية في شهر مارس.
وفضلا عن ذلك، عدد قليل من الملاحظين أشاروا إلى الطبيعة المهينة للزيارة التي قام بها بداية هذا الأسبوع وفد من جامعة الدول العربية الذي جاء للاستفسار عن قدرة الجزائر على تنظيم قمة. مثل هذه الخطوة لا يمكن تصورها إذا كانت هذه القمة ستعقد في مصر أو المغرب أو السعودية أو قطر أو الإمارات العربية المتحدة. لكن لنتجاوز هذا الأمر ونركز على ما هو أساسي.
نظام الكلمات الجوفاء
في نونبر 2021، ألقى الرئيس عبد المجيد تبون كلمة في مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية. وفي هذا الخطاب أعلن الرئيس الجزائري أن "قمة الجامعة العربية ستنعقد في الجزائر في مارس المقبل".
كما أعلن رئيس الدبلوماسية الجزائرية، رمطان لعمامرة، في ختام أعمال الندوة التي جمعت رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية، خلال نفس الشهر، أن "القمة العربية المقبلة ستكون قمة التضامن العربي ودعم القضية الفلسطينية والشعب الصحراوي". وتم التطبيل لهذا التصريح من قبل وسائل الإعلام التابعة للطغمة العسكرية بما في ذلك يومية "ليكسبرسيون".
لذلك يطرح سؤال بإلحاح: لماذا الجزائر غير قادرة على تنظيم قمة أعلنها رئيس الدولة؟ ما الذي منع النظام الجزائري من تنفيذ إعلاناته ووعوده وتهديداته؟ أين هي عودة الدبلوماسية الجزائرية بقوة على الساحة العربية والدولية؟ إنها المرة الأولى في تاريخ الجامعة العربية التي تعلن فيها دولة عن عقد قمة، ثم يتبين في ما بعد أنها غير قادرة على تنظيمها.
وحتى يومنا هذا، تواصل وسائل الإعلام التابعة للطغمة العسكرية الحديث عن قمة "في الأسابيع المقبلة"، الأمر الذي يعكس بوضوح حرج النظام من إعلان تأجيل قمة الجامعة العربية إلى نهاية العام 2022، في حين أعلن الرئيس تبون، أمام جمهور مؤلف من رئيس الأركان سعيد شنقريحة وكبار مسؤولي النظام، أن القمة ستنعقد في مارس.
هذا الفشل الذريع لتنظيم قمة الجامعة العربية يؤشر على الطريقة الكارثية والعاطفية التي تسير بها الجزائر بها بعد إزاحة بوتفليقة. فالرئيس تبون يتكلم من أجل الكلام، مما يحط من مكانة رئيس الدولة الذي يكثر في إطلاق الوعود والتصريحات المعسولة والجوفاء في نفس الآن. فتصريحات الرئيس تبون هي أقرب إلى كلام المقاهي أكثر منها تصريحات واعية ورزينة، والتي من شأنها أن تترجم إلى أعمال ملموسة. وبالتالي، فإن الإخفاق المهين لتنظيم القمة العربية في الجزائر في مارس يقدم دليلا إضافيا على أن هذا النظام يلتزم بأشياء تبين في ما بعد أنه غير قادر على تدبيرها.
النظام الجزائري يدفع ثمن تصعيده ضد المغرب
كما يدفع النظام الجزائري ثمنا باهظا للتصعيد الذي افتعله مع المغرب. إن الدول المؤثرة في جامعة الدول العربية لا ترى بعين الرضا التصعيد الذي يغذيه النظام الجزائري ضد المملكة المغربية، بل وترى أن الشروط غير متوفرة لتنظيم قمة في الجزائر. "في الواقع، أراد النظام الجزائري استغلال القمة وأدرك، بعد موقف دول الخليج الحازم لصالح مغربية الصحراء وتشبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالخريطة الرسمية للدول الأعضاء والتي تضمن الوحدة الترابية للمغرب، أنه لم يعد لديه أي هامش للمناورة من أجل استغلال هذه القمة "، كما أوضح مصدر دبلوماسي مطلع في اتصال مع Le360.
عندما أدرك النظام الجزائري أن الوحدة الترابية للمغرب خط أحمر، حاول أن يغطي على هذا الفشل بتصريحات من قبيل: "يجب أن نعمل بجدية أكبر من أجل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية"، و"توحيد الدول العربية"، بينما يعلم الجميع أن هذه القمة لن يستضيفها النظام الجزائري لتوحيد صفوف الدول العربية، إذ قال لعمامرة بوضوح إنها ستكون قمة القضية الفلسطينية و"القضية الصحراوية". وتابع مصدرنا قائلا: "لقد أدرك النظام الجزائري أنه لا تأثير له ولا مجال للمناورة في العالم العربي. لهذا السبب أجبر اليوم على تأجيل القمة ولم يجرؤ حتى على تحديد موعد" لعقدها.
بعدما عاينت الفشل الذريع لمناوراتها، تتشبث الطغمة العسكرية الآن بسوريا وجعلها ورقة في يدها. فقد واصلت وسائل الإعلام الجزائرية، اليوم الجمعة، التأكيد على أن "قمة جامعة الدول العربية التي ستنعقد في الجزائر ينبغي أن تكون قمة عودة سوريا". وتجدر الإشارة إلى أن المملكة المغربية ليست حتى من بين الدول التي تعارض عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. لذا فإن ما تقدمه وسائل الإعلام الجزائرية اليوم كقضية جديدة من شأنها أن تعاكس أهداف المغرب هو في الواقع مناورة تثير ضحك الدول المدركة تماما للنكسات المهينة التي تتعرض لها الطغمة العسكرية في تنظيم هذه القمة.
الثابت الوحيد في هذا المسلسل هو أن النظام الجزائري يصدر إعلانا على أعلى مستوى في الدولة ثم يتراجع. هذا التراجع الشاق هو أفضل ما يميز النظام الجزائري. لذلك ليس من المستغرب أن يكون تأثير هذا البلد ضئيلا للغاية.
وسيعقد اجتماع وزاري في مارس بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة. ويؤكد هذا المصدر أنه "خلال هذا الاجتماع، سيتعين على النظام الجزائري أن يقدم دفتر التحملات البروتوكولي والإداري على حد سواء، إذا لم يكن يرغب في رؤية التأجيل إلى أجل غير مسمى يتحول إلى إلغاء القمة أو نقلها إلى دولة أخرى". دفتر تحملات هذه القمة يحدد من قبل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وليس الدولة المضيفة. من الواضح أن هذا "الدبلوماسي المخضرم"، وهو النعت الذي يحب الجزائريون وصف لعمامرة به، نسي أن يشرح هذا الأمر الواضح لتبون وبالتالي يتجنب إهانة علنية قاسية.