مناورات النظام الجزائري في الأيام الأخيرة تشبه إلى حد بعيد رقصة الديك المذبوح. فالتصريحات المفرطة والخرجات الإعلامية الغريبة والتهديدات الموجهة إلى المجتمع الدولي لم تغير ذرة واحدة من مضمون نص القرار المتعلق بالصحراء، الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية. النسخة الأولية من القرار هي نفس النص النهائي الذي تم التصويت عليه يوم الجمعة 29 أكتوبر في مجلس الأمن بأغلبية 13 صوتا وامتناع عضوين عن التصويت: روسيا وتونس.
وهكذا صوتت 13 دولة من أصل 15 دولة لصالح نص القرار. وصوت أربعة من أصل خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والصين وفرنسا) لصالح القرار. وصوتت دولتان من أصل ثلاث دول إفريقية، النيجر وكينيا، لصالح القرار، بينما فشلت الجزائر في جر نيامي ونيروبي إلى صفها، على الرغم من الضغط المستمر. من ناحية أخرى، وهذه مفاجأة، اختارت تونس معسكر جارتها الغربية.
باختصار، جاءت نتائج هذا التصويت مطابقة من جميع النواحي لقرارات مجلس الأمن الثلاثة الأخيرة بشأن الصحراء (2018، 2019، 2020)، والتي تمت الموافقة عليها بالتساوي بأغلبية 13 صوتا وامتناع عضوين عن التصويت. إن فزاعة انقسام المجتمع الدولي، التي لوحت بها الجزائر العاصمة، لم يكن لها أي تأثير.
قبل أسبوع من للتصويت على القرار رقم S/2021/843، وزعت الجزائر مذكرة رسمية على أعضاء مجلس الأمن، تؤكد فيها بأنها لن تشارك في الموائد المستديرة وأن قرارها "لا رجعة فيه".
وفي تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، قال عمار بلاني، المسؤول بوزارة الخارجية الجزائرية، والذي يحمل لقب "المبعوث الخاص المكلف بمسألة الصحراء ودول المغرب العربي"، إن الجزائر "ترفض بشكل رسمي لا رجعة فيه هذا الشكل المسمى بالموائد المستديرة وقد وجه مندوبنا الدائم في نيويورك مذكرة لإخطار رئيس مجلس الأمن بموقف الحكومة الجزائرية، ونطلب منه تعميم المذكرة الشفوية المعنية على جميع أعضاء مجلس الأمن".
وفي قراره رقم S/2021/843 حث مجلس الأمن الجزائر على المشاركة في العملية السياسية التي تجسدها الموائد المستديرة. وهذا يعني، أولاً وقبل كل شيء وبشكل واضح، أن مواقف وصوت النظام الجزائري لم يكن لها أي مفعول بالنسبة للمجتمع الدولي. كما يعني أن الطغمة العسكرية وضعت نفسها في موقف سيئ للغاية، بإعلانها بشكل قاطع رفضها الجلوس مع المغرب وجبهة البوليساريو وموريتانيا حول الطاولة المستديرة.
وعلق دبلوماسي سابق على الأمر قائلا: "بتوزيع هذه المذكرة على مجلس الأمن، كشفت الجزائر عن وجهها وأظهرت، في نهاية المطاف، أنها طرف في هذا الملف".
وسيكون أول إجراء ملموس للمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، هو تنفيذ توصيات مجلس الأمن من خلال إعادة إطلاق العملية السياسية. ومع ذلك، فإن إعادة إطلاق العملية السياسية مرتبطة بتنظيم الموائد المستديرة التي يجب أن تشارك الجزائر فيها.
من الآن فصاعدا، ستسلط الأضواء على الجزائر التي ستكون الطرف المعطل لأي حل لنزاع الصحراء في حالة استمرارها في إصرارها على عدم المشاركة في الموائد المستديرة. وإذا أعادت النظر في موقفها، فسيكون ذلك إذلالا آخر لهذا النظام الذي يراكم الانتكاسات والإخلال بالتزاماته. في كلتا الحالتين، تجد المملكة المغربية نفسها في وضع مريح.
عدم الإشارة إلى الكركرات
يمدد قرار مجلس الأمن الجديد بشأن الصحراء ولاية المينورسو لمدة عام واحد، حتى 31 أكتوبر 2022.
وفي ما يتعلق بمضمون القرار الذي اتخذه مجلس الأمن، فهو مرض إلى حد كبير للمملكة المغربية. ويعرب مجلس الأمن عن "قلقه العميق بعد خرق وقف إطلاق النار". عندما نعلم أن الجزائر ظلت تكرر أن المغرب هو الذي انتهك وقف إطلاق النار في 13 نونبر 2020، بطرد عناصر البوليساريو التي عرقلت معبر الكركرات، فإن عدم ذكر التاريخ والمكان يبدو وكأنه صفعة و انتكاسة للآلة الدعائية للطغمة العسكرية الجزائرية.
بل إن قرار مجلس الأمن يشير بأصابع الاتهام إلى جبهة البوليساريو التي أعلنت حالة الحرب في الصحراء. وعبر مجلس الأمن عن قلقه إزاء انتهاكات الاتفاقات القائمة، ويذكر في هذا الصدد "البوليساريو باحترام الالتزامات التي تعهدت بها للمبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء".
أما بالنسبة للعودة إلى "الوضع السابق" على تدخل القوات المسلحة الملكية في منطقة الكركرات، والذي وضعه النظام الجزائري كشرط لا غنى عنه لاستئناف المفاوضات، فإن مجلس الأمن لم يعره أي اهتمام فحسب، بل لم يذكر اسم الكركرات ولو مرة واحدة في القرار.
نقطة أخرى لن ترضي النظام الجزائري هي الطلب الذي صاغه صراحة نص القرار المتعلق بإحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف. فلطالما عارضت الجزائر وجبهة البوليساريو تعداد الساكنة في المخيمات، والذين يفترض أنهم لاجؤون في تندوف، بل إنها تعلن عن أرقام خيالية ومتضخمة.
مثل قرارات مجلس الأمن السابقة، لم يرد ذكر لاستفتاء تقرير المصير. لذلك فإن هذا الخيار أقبر نهائيا من قبل المجتمع الدولي. إن روح الواقعية والتسوية والبراغماتية هي السائدة الآن باعتبارها السبيل الوحيد لحل نزاع الصحراء.