يوم 8 أكتوبر الجاري، وردا على الرئيس ماكرون الذي شكك في الوجود التاريخي للأمة الجزائرية، قام وزير الخارجية الجزائري، السيد رمطان لعمامرة، بزيارة إلى روما وبالتحديد إلى مكان اعتقال ووفاة الزعيم الأمازيغي يوغرطة (160-104 قبل الميلاد). ويعتبر الجزائريون أن هذا الأخير هو سلفهم، الأمر الذي يمكن أن يمثل مفارقة عندما نعلم بأن الفلسفة السياسية لـ "النظام" تستند على فرضية جزائر عربية مسلمة... لكن يتعلق الأمر باختزال تاريخي، لأن يوغرطة كان هو الرجل الذي دمر مملكة ماسيسيليا، وبالتالي الكيان الذي يتوافق ترابيا مع الجزائر الحالية… عودة إلى التاريخ.
في القرن الثالث قبل الميلاد، كانت توجد ثلاث دول أمازيغية فيما يعرف الآن بالمغرب الكبير وهي:
1- مملكة موريطنية، التي تعتبر جغرافيا المغرب الحالي، وتمتد من المحيط الأطلسي إلى نهر ملوشة (ملوية).
2- بين نهر ملوشة ونهر أمباسا (الواد الكبير)، أي على جزء كبير من الجزائر الحالية، تمتد مملكة ماسيسيليا.
3- من نهر أمباسا وخليج قابس، أي في تونس الحالية وأقصى غرب ليبيا الحالية، تمتد مملكة الماسيل أو نوميديا.
بين 272 و146 قبل الميلاد، وقعت الحروب البونيقية الثلاثة بين روما وقرطاج. في عام 213 قبل الميلاد، خلال الحرب الثانية، تقربت روما، التي كانت تبحث عن حلفاء، من صيفاقس، ملك ماسيسيليا (الجزائر). رأى الأخير أنها فرصة للاستيلاء على أراضي الماسيل التي كان يحكمها غايا، حليف قرطاج.
توفي غايا في عام 206 قبل الميلاد، وبعد حرب خلافة شرسة، خلفه ابنه ماسينيسا، المولود حوالي 239 قبل الميلاد في ماسكولا (خنشلة في الأوراس). لكن، بدعم من قرطاج، ثار ضده أحد أقربائه ويدعى لاكوماز. وفي عام 205 قبل الميلاد، تحالف القرطاجيون مع صيفاقس، ملك ماسيسيليا، ضد ماسينيسا. هُزم الأخير واستولى صيفاقس على جزء كبير من مملكة الماسيل.
لكن في نظر الرومان، أصبح الحليف صيفاقس مشتبها فيه واتجه شيبيون إلى ماسينيسا الذي قبل التحالف معه بغية استعادة الجزء من مملكته التي تم ضمها من قبل ملك ماسيسيليا. في أبريل 203 قبل الميلاد، خلال المعركة المعروفة باسم "معركة السهول الكبرى"، هزم صيفاقس والقرطاجيون. لجأ صيفاقس إلى سيرتا (قسنطينة)، حيث سلمه السكان. سجن في روما، وتوفي هناك عام 202 قبل الميلاد.
ولذلك، فإن زنزانة صيفاقس هي التي كان ينبغي أن يزورها السيد رمطان لعمامرة، إذا كان يريد الاحتفال ببطل "جزائري أصيل"، وليس يوغرطة الذي، كما سنرى، هو الرجل الذي دمر مملكة ماسيسيليا، التي هي أصل الجزائر الحالية... ولفهم هذا الأمر، من الضروري العودة إلى التاريخ.
في زامة، في أكتوبر 202 قبل الميلاد، هزم شيبيون وماسينيسا على يد حنبعل وحلفائه من الماسيسيل الذين كان حاكما عليهم فرمينة، ابن الملك صيفاقس. أما لدى الماسيل، فإن خلف ماسينيسا (توفي عام 148 قبل الميلاد) كان هو ميسيبسا الذي توفي عام 118 قبل الميلاد، وفاة تسببت في اضطرابات في المنطقة. كان للمتوفى ولدان على قيد الحياة، وهما عزربعل وحفصبعل، بالإضافة إلى ابن بالتبني، ابن أخيه يوغرطة، الذي كان مكروها من قبل ولدي ميسيبسا.
ولد يوغرطة في سيرتا (قسنطينة) حوالي 160 قبل الميلاد، وكان حفيد ماسينيسا والابن غير الشرعي لماستانابال، شقيق ميسيبسا. قرر الإخوة الثلاثة تقاسم المملكة، أي تونس الحالية، بالإضافة إلى الجزء الحالي من الجزائر الواقع بين قسنطينة والحدود التونسية وكذلك الأراضي التي تم اقتطاعها من مملكة ماسيسيليا. لكن يوغرطة اغتال حفصبعل، واقتسم المملطة بينه وبين عزربعل. ثم هاجم يوغرطة عزربعل الذي حاصره في سيرتا. تم الاستيلاء على المدينة في عام 113 قبل الميلاد وتم قتل عزربعل هناك وكذا السكان الرومان المقيمين فيها.
أصبح يوغرطة بعد ذلك ملك على نوميديا الكبرى، أي تونس الحالية، بالإضافة إلى كل مملكة ماسيسيليا تقريبا التي كانت تمتد على الجزء الأوسط والغربي من الجزائر الحالية. لكن سرعان ما تهاوت مملكة نوميديا الكبرى، لأن روما، من 112 إلى 105 قبل الميلاد، انخرطت في حرب شاملة ضد يوغرطة. بالتأكيد من أجل الثأر لمواطنينها، ولكن أيضا حتى لا يسمح بظهور مملكة أمازيغية قوية تخلف قرطاج.
في مقابل دعمه، قدم يوغرطة بعد ذلك لصهره بوكوس، ملك موريطنية، مملكة ماسيسيليا السابقة التي استولى عليها، أي معظم ما يعرف الآن بالجزائر. ولكن، عندما اختار بوكوس التحالف مع الرومان، قام بتسليمه إلى الرومان قبل الاعتراف بامتلاكه لجزء كبير من مملكة ماسيسيليا القديمة، ولا سيما وهران الحالية وما وراء الجزائر العاصمة، مما سمح له بإنشاء موريطنية الكبرى.
تم تفكيكها من قبل الماسيل وتدميرها من قبل يوغرطة، فإن مملكة ماسيسيليا، الأصل البعيد للجزائر الحالية، استمرت. لكن المنطقة ظلت مستعمرة باستمرار، أولا من قبل الرومان، يليهم الوندال والبيزنطيين والعرب والأتراك لأكثر من ثلاثة قرون، وأخيرا من قبل الفرنسيين بين عامي 1830 و1962.
بالفعل، في ذلك الوقت، كان القطبان السياسيان للمنطقة، في الشرق، مملكة الماسيل، الأصل البعيد لتونس الحالية، وفي الغرب، مملكة موريطنية، الأصل البعيد للمغرب الحالي. أما بالنسبة لمملكة ماسيسيليا، أي ثلاثة أرباع الجزائر الحالية، فقد كان يوغرطة، كما رأينا سابقا، الرجل، الذي احتفى به وزير الخارجية الجزائري على أنه "جزائري عظيم"، هو الذي قام بتدميرها...