"إن التزامات الجزائر معروفة من الجميع. سنواصل عملنا في المنطقة التي ننتمي إليها والتي لا تسير الأمور فيها كما نتمنى، أي منطقة تتجه بثبات نحو الوحدة والاندماج. إن الصراعات القائمة، أي الصحراء والأزمة الليبية، تؤثر على العمل لتوحيد الصفوف والاتجاه نحو الاندماج والوحدة المنشودة". بهذه العبارات، أفصح وزير الخارجية الجزائري "الجديد القديم" رمطان لعمامرة عن نواياه خلال حفل تنصيبه مساء أمس الخميس 8 يوليو 2021.
بطبيعة الحال لم يكن بإمكان لعمامرة ألا يتطرق خلال هذا الخطاب الأول بعد عودته إلى وزارة الخارجية إلى الموضوع الأول والرئيسي للسياسة الداخلية والخارجية للطغمة العسكرية التي عينته في هذا المنصب من جديد. لذلك رأى أنه من المناسب إطلاق بعض الإشارات بهذا الخصوص، متناسيا أن النظام العسكري الجزائري هو الذي يؤجج الخلاف حول قضية الصحراء والذي يمنع، بحكم الأمر الواقع، الوحدة المغاربية التي أصبحت فزاعة بالنسبة للنظام الجزائري.
لأنه إذا كانت هناك وحدة مغاربية، فإن أول ما سيلاحظه الشعب الجزائري هو الفجوة بين بلد غني بالموارد النفطية، والذي يكابد من أجل إمداد الناس بالماء الصالح للشرب، وبين جاره الذي انضم إلى قائمة الدول الناشئة. لا يمكن للمقارنة إلا أن تكون قاسية بالنسبة للطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر.
لم يتوانَ رمطان لعمامرة في انتقاد سلفه بشكل غير مباشر الذي ارتكب خطيئة تجاهل "الإجراءات الاستباقية في السياسة الخارجية". هذا اعتراف بإفلاس الدبلوماسية الجزائرية، على الرغم من الدعاية التي كان يرددها النظام قبل أسبوع عن النجاحات الوهمية. لكن ما يتظاهر لعمامرة بتجاهله مرة أخرى هو أن الدبلوماسية ليست فقط التي ظلت رهينة بتصورات تعود إلى فترة الحرب الباردة، بل إن النظام بأكمله هو رهين بسياسة وضع أسسها بومدين وجماعة وجدة. لا تدوم السلطة الجزائرية إلا لأنها تنجح في وأد أي فعل استباقي.
ومع ذلك، يبدو أن رمطان لعمامرة مقتنع بأن قضية الصحراء قد اتخذت منحى حاسما لا رجعة فيه ولم يعد للديبلوماسية الجزائرية أدنى سيطرة. هذا التحول هو جزء مما وصفه بأنه "تغييرات غير متوقعة على الصعيدين الوطني والدولي".
وهكذا يشير لعمامرة بشكل غير مباشر إلى اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء. ولكن أيضا إلى حقيقة أن هذا الاعتراف قد أعيد تأكيده من قبل عشرات الدول التي فتحت فيها قنصليات، فضلا عن تأمين الحدود المغربية الموريتانية وحركة المرور التجارية التي تمر عبر معبر الكركرات. كل هذا يؤشر على شعور لعمامرة بالاستسلام والعجز، وهو الذي يعتبره الجزائريون أفضل دبلوماسي لديهم.
"ليس من خلال إثارة الأزمات أو العمل على تأجيجها أو بفرض الأمر الواقع أن نصنع التاريخ، بل بالأحرى من خلال إظهار التبصر والذكاء والشعور بالمسؤولية، وهي كلها عوامل يجب أن تشكل أساس فعل كل الأطراف في منطقتنا من أجل خلق مناخ ملائم قادر على ضمان مستقبل أفضل لجميع الشعوب دون استثناء"، هذا ما أكده عندما تحدث عن الصحراء المغربية دون ذكرها. ويبدو أن الدبلوماسية "الاستباقية" التي ينادي بها لعمامرة ستكون ديبلوماسية التوسل. لكن بعد فوات الأوان.