شارك رئيس أركان الجيش الجزائري، الجنرال الطاعن في السن سعيد شنقريحة، في المؤتمر التاسع للأمن الدولي في موسكو، الذي نظمته وزارة الدفاع الروسية يومي 23 و24 يونيو الجاري.
وتجدر الإشارة بداية إلى أن جميع الدول المشاركة في هذا المؤتمر كانت ممثلة بوزراء الدفاع أو نوابهم. مع استثناءات نادرة للغاية بما في ذلك الجزائر، حيث لم يرأس الوفد الجزائري ممثل الرئيس الجزائري باعتباره وزير الدفاع، ولا الأمين العام لهذه الوزارة، اللواء محمد الصالح بن بيشة. نظرا للقضايا الاستراتيجية للغاية، مثل "صفقات" شراء الأسلحة العسكرية وما يرافقها من عمولات، فقد جذب شنقريحة إليه أنظار وسائل الإعلام.
وهكذا، أوردت وكالة الأنباء الجزائرية الخطوط العريضة للخطاب، الذي ألقاه يوم الخميس 24 يونيو 2021 أمام المشاركين في هذا المؤتمر، وفقا لبيان صحفي صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية. أظهر سعيد شنقريحة بوضوح، من خلال الموضوعات السياسية والدبلوماسية التي تمت مناقشتها، أن جميع مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة، بما في ذلك البرلمان والدستور الذي يحكم العلاقات بينهما، ليست سوى أدوات في يد الطغمة العسكرية.
على أي حال، فإن تصريحات قائد الجيش الجزائري بشأن الصحراء المغربية تقدم دليلا آخر، لمن لا يزال يشك في الأمر، على أن هيئة الأركان العامة للجيش هي التي تحدد وتدير السياسة الخارجية للبلاد.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية، فإن "سعيد شنقريحة أكد على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤولياتها من أجل حل هذا النزاع الذي يعود إلى سنوات عديدة"، مضيفا أنه "إلى السياق الأمني الذي يميز المنطقة المغاربية والساحل والصحراء، ينضاف النزاع المسلح في الصحراء، وذلك بعد انتهاك المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار في 13 نونبر 2020".
كما طالب بـ"تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء"، في حين أنه من المعروف أن الجزائر هي التي تعرقل هذا التعيين، على أمل أن يكون هناك مرشح موال لأطروحاتها.
الجنرال البالغ من العمر 76 عاما والذي يعاني من عدة أمراض منها سلس البول، أعطى المثال على الكراهية التي تكنها الطغمة العسكرية الحاكمة للمغرب، من خلال تكرار الأسطوانة المشروخة الموروثة من عهد هواري بومدين. وأكد قائلا: "إن الصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في إفريقيا، يطمح شعبها إلى تقرير مصيره بكل حرية، وقد أكدت في العديد من المرات، على أن تصرفات المحتل الهادفة لإلحاق الأقاليم الصحراوية بالقوة، مع طمس مفهوم احترام حقوق الإنسان في الأقاليم المحتلة، تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة، والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، الذي تعد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عضوا مؤسسا فيه".
لم تتردد وسيلة إعلامية مقربة من الجنرالات في وصف هذا التدخل بأنه "تحذير شديد اللهجة من اللواء سعيد شنقريحة إلى المغرب انطلاقا من موسكو".
ومع ذلك، فإن الرهانات الحقيقية لزيارة شنقريحة لموسكو لها خلفيات أخرى. بعد استقباله، يوم 17 يونيو بالجزائر العاصمة، ديميتري شوغايف، مدير المصلحة الفيدرالية للتعاون العسكري والتقني في روسيا الاتحادية، ومدير روسوبورون إكسبور، الوكالة المسؤولة عن صادرات الأسلحة الروسية، التقى شنقريحة مرة أخرى بهذين الرجلين في موسكو. على الرغم من تراجع مداخيل الخزينة الجزائرية، فقد كانت عقود الأسلحة والرشاوى الأخرى على قائمة هذه الاجتماعات.
كما طلب رئيس أركان الجيش الجزائري من الروس شحنة كبيرة من القمح، وهي سلعة أساسية لتحقيق السلم الاجتماعي في الجزائر، وطلب توفيرها على وجه السرعة. يشار إلى أن الجزائر اختارت منذ عام 2016 التوقف عن استيراد القمح من روسيا واستيراد هذه السلعة من فرنسا وألمانيا.
لكن الفضيحة الأخيرة التي وقعت في ميناء وهران واكتشاف خنزيرين ميتين في شحنة قمح آتية من فرنسا سلطت الضوء على الاختلالات الخطيرة في هذا القطاع. كما أدى هذا الوضع إلى إقالة الفريق السابق الذي كان يدير الوكالة الجزائرية المكلفة بواردات الحبوب وخسارة نحو 27 ألف طن من القمح العادي. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الطحين في بعض الولايات في غرب البلاد.
تم وضع مورد القمح الفرنسي أخيرا على القائمة السوداء، وفقا لوزير الفلاحة الجزائري عبد الحميد حمداني، وتم التوجه إلى روسيا الآن. وبحسب آخر الأخبار، يجري حاليا نقل شحنة تقدر بـ28 ألف طن من القمح بالقطار إلى ميناء في البحر الأسود، في انتظار شحنها إلى الجزائر.
كما أن خرجة شنقريحة انطلاقا من موسكو ومهاجمته للمغرب تبدو وكأنها توسل مثير للشفقة من أجل الحصول على مظلة روسية في وقت تمر فيه الجزائر بأزمة على جميع الأصعدة: تراجع المداخيل، وإهدار الاحتياطي من العملة الصعبة، ورئيس غير شرعي، وانتخابات بدون ناخبين، ونقص مقلق للغاية في المياه التي يتم توزيعها الآن قطرة تلو الأخرى في الجزائر العاصمة، ودبلوماسية فاشلة، وارتفاع صاروخي في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتفاقم الصراعات الهوياتية التي تهدد بشكل خطير وحدة البلاد...
جاء قائد الجيش الجزائري، الذي فوجئ بحجم والنجاح الباهر للمناورات العسكرية الأخيرة للأسد الإفريقي بين الجيش الأمريكي والقوات المسلحة الملكية، لاستجداء الدعم من موسكو. صدقة الحليف الروسي هو أنه سمح له بنفث سمومه وإطلاق العنان لترهاته انطلاقا من موسكو. إن ما قاله هناك ما هو إلا خطاب إنشائي لا يليق بعسكري ورجل ميدان.



