سيستمع القضاء الإسباني إلى إبراهيم غالي. وهكذا سيمثل زعيم انفصاليي البوليساريو يوم الثلاثاء فاتح يونيو في تمام الساعة العاشرة صباحا بالتوقيت المحلي، عبر تقنية الفيديو، أمام سانتياغو بيدراز، قاضي التحقيق في المحكمة الوطنية، وهي أعلى محكمة جنائية في إسبانيا.
وسيتم الاستماع إلى إبراهيم غالي من غرفته في مستشفى سان بيدرو في لوغرونيو، حيث تم إدخاله في نهاية أبريل الماضي بسبب مضاعفات كوفيد-19. ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية "إيفي" أن مصدرا قضائيا أكد أن هذه الجلسة ستعقد بالفعل، مشيرا إلى أن مثول زعيم البوليساريو هو "مؤكد" وأن "جميع الضمانات المتعلقة بالجلسة متوفرة".
بعد شهر من العلاج في المستشفى وقضائه فترة النقاهة، أصبح بالإمكان الاستماع إلى الزعيم الانفصالي، البالغ من العمر 72 سنة، على الرغم من كل المحاولات والمناورات التي قامت بها الجزائر للحؤول دون مثول الرئيس الوهمي للدولة الوهمية أمام القضاء كمجرم.
ويتابع إبراهيم غالي بتهم ثقيلة. تم قبول شكايتين ضده، من أصل أربع شكايات على الأقل، وسيتعين عليه أن يجيب عن تلك الاتهامات اعتبارا من يوم الثلاثاء. الشكاية الأولى وضعها الناشط فاضل بريكة، وهو مواطن إسباني من أصل صحراوي، يقاضي غالي وأعضاء آخرين في البوليساريو بسبب أعمال تعذيب تعرض لها في مخيمات البوليساريو في تندوف (بالجزائر) في عام 2019. كما يتهم فاضل بريكة إبراهيم غالي وشركاءه بالاحتجاز التعسفي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
أما الشكاية الثانية فرفعتها الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان. وفيها تتهم إبراهيم غالي بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والقتل والإرهاب والتعذيب والاختفاء القسري، من بين أمور أخرى، بحق ما يقرب من 300 مواطن إسباني، من بينهم صيادون ينحدرون من جزر الكناري. إن إعادة فتح هذه القضية الأخيرة هو أمر مهم خاصة وأن التحقيق، الذي بدأ في عام 2008، كاد أن يعلق في عام 2020 بسبب عدم استجابة الجزائر، التي تستضيف قادة البوليساريو وتحميهم، ورفضها للاستدعاءات الصادرة قبل ذلك بثلاث سنوات عن المحاكم الإسبانية.
ازدراء القانون
ترى قيادة البوليساريو وعرابوها في الجزائر أن مثول الزعيم الانفصالي يمثل في حد ذاته إهانة لهم. فقد تم استقبال إبراهيم غالي في سرية تامة على الأراضي الإسبانية بهوية مزورة وتحت اسم جزائري هو محمد بن بطوش، وكان من المقرر أن يخرج من إسبانيا دون الخوف من أن تطاله يد العدالة حالما يتعافى من مرضه. كل ذلك في سرية مطلقة وفي ظروف تشبه فيلما بوليسيا سيء الإخراج والذي كانت فيه السلطات الإسبانية متواطئة مع طغمة عسكرية جزائرية اعتادت على ممارسات المافيا لتحقيق أهدافها. كل هذا في خرق سافر لمبادئ دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان التي تدعيها الديمقراطية الإسبانية.
استغرقت قيادة البوليساريو والنظام الجزائري، عبر وكالته للأنباء، عدة أيام للاعتراف بأن إبراهيم غالي يوجد في إسبانيا. وحتى عندما اعترفت رئيسة الدبلوماسية الإسبانية باستقبال إبراهيم غالي في إسبانيا "لأسباب إنسانية بحتة"، لم تذكر جبهة البوليساريو والسلطات الجزائرية اسم البلد الذي نقل إليه الزعيم الانفصالي للعلاج إلا بعد انكشاف هذه المؤامرة. هذه علامة على إحراجهم الشديد وعدم استعدادهم التام لسيناريو افتضاح أمر نقل غالي من الجزائر إلى إسبانيا.
هناك أسوأ من الكشف عن عملية يفترض أن تظل سرية: استدعاء إبراهيم غالي من طرف العدالة. وكان الأخير قد رفض، في البداية، التوقيع على استدعائه من قبل العدالة، بحجة أنه يتعين إحالة الاستدعاء إلى رؤسائه الجزائريين، من خلال سفارة الجزائر في مدريد، و"إلى الأشخاص الذين يثق بهم". لكن اضطر في الأخير إلى الاستسلام وانتهى به الأمر بتعيين محام، في شخص مانويل أولي، المتخصص في القانون الجنائي الدولي والذي سيتقاضى أتعابه من أموال دافعي الضرائب الجزائريين، لأن الجنرالات الجزائريين هم الذين سيدفعون في آخر المطاف الفاتورة التي ستكون بكل تأكيد باهظة.
إذا وافق إبراهيم غالي على المثول أمام القضاء، فذلك لأن هؤلاء الجنرالات أنفسهم لم يتركوا له أي خيار. بين رد فعله الأول بالرفض والثاني الذي أعلن فيه موافقته على المثول أمام قاضي التحقيق، قام وفد عسكري برحلة يوم الاثنين 24 ماي من الجزائر العاصمة إلى مدريد. وعقدت سلسلة اجتماعات مع قادة عسكريين إسبان من هيئة أركان الدفاع العامة في ذلك اليوم، ربما للتفاوض على مخرج "آخر"، أي تهريب زعيم البوليساريو.
هل هي صدفة أو نتيجة منطقية للأحداث حسب رغبة الجزائر، يأتي وصول الوفد الجزائري في اليوم التالي للخرجة الإعلامية عن الذراع الأيمن لإبراهيم غالي، المدعو سالم لبصير. فهذا الأخير أكد، دون أن يرف له جفن، للوسيلة الإعلامية الإسبانية، أكدياريو، أن رئيس البوليساريو لن يمثل الثلاثاء فاتح يونيو 2021 أمام القاضي سانتياغو بيدراز. وقال سالم لبصير "سيغادر إسبانيا ولن يمثل أمام القاضي."
إن فرضية "الهروب الكبير" التي تمت الإشارة إليها في عز الأزمة بين إسبانيا والمغرب، الذي ندد بالاستقبال غير القانوني لمجرم حرب في البلد نفسه الذي وضعت فيه شكايات ضد إبراهيم غالي، جعلت جميع الأجهزة الأمنية في إسبانيا تتعبأ وفرضت رقابة أمنية مشددة على مدار 24 ساعة في اليوم لمنع إبراهيم غالي من الهرب. إن وقوع مثل هذا الأمر من شأنه أن يؤزم بشكل كبير العلاقة بين المغرب وإسبانيا بشأن هذه القضية.
وكانت المملكة المغربية، من خلال تصريحات وزير خارجيتها، ناصر بوريطةـ وكذلك سفيرة المغرب في مدريد، كريمة بنيعيش، أكثر وضوحا عندما اعتبرت أن خروج إبراهيم غالي من الأراضي الإسبانية بنفس الطريقة التي دخل بها (بطريقة سرية وبهوية مزورة) لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة. سيشكل الأمر تصعيدا من شأنه أن يؤدي إلى قطيعة في العلاقات بين البلدين... ويبدو أن السلطات الإسبانية تريد تجنب ذلك، لكن دون الإخلال بالالتزام المقدم للنظام الجزائري: إبراهيم غالي سيغادر إسبانيا بعد تعافيه دون أن تطاله يد العدالة.
الثقة المغدورة
إن مثول إبراهيم غالي سيعد هزيمة للحكومة الإسبانية الحالية، بقيادة بيدرو سانشيز. لم يكتف هذا الأخير بتقديم ضمانات للسلطة الجزائرية، بل إن وزيرة خارجيته أكدت في البداية أن إبراهيم غالي، بمجرد شفائه، سيغادر إسبانيا إلى "بلاده"، لكنها لم تشك في عدم كفاءة أجهزة المخابرات الجزائرية التي فشلت في الحفاظ على سرية العملية. والنتيجة: وجدت إسبانيا نفسها متورطة في أزمة خطيرة مع المغرب، في حين أن الرهان لم يكن يستحق كل هذا العناء.
رفض القضاء الإسباني، الذي يفترض أنه مستقل، طلب الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان بإصدار تدابير تحفظية ضد غالي (سحب جواز السفر ووضعه تحت المراقبة القضائية) للحؤول دون فراره. على الرغم من هذا الرفض، سيتعين على إبراهيم غالي الرد على الاتهامات الخطيرة للغاية الموجهة إليه أمام القضاء.
إذا تم تحقيق نوع من العدالة من خلال قبول الاستماع إلى زعيم البوليساريو، فإنه، مع ذلك، لا شيء يمنع إسبانيا من أن تتدخل لعرقلة السير الطبيعي للمحاكمة المستقبلية. وعوض التهدئة، اختارت مدريد في الأيام الأخيرة التصعيد. والدليل على ذلك الخرجة الإعلامية غير المحسوبة للنائبة الأولى لرئيس الحكومة الإسبانية، كارمن كالفو، عبر القناة التلفزيونية الإقليمية الأندلسية "كانال سور". يوم الجمعة 28 ماي، أعلنت أن المغرب تجاوز "حدود حسن الجوار" لأنه سمح بـ"الهجوم على الحدود الإسبانية في مدينة سبتة". وتنسى أن الأزمة مع المغرب ولدت على خلفية نقل واستقبال واستشفاء زعيم البوليساريو في إسبانيا، حيث كان موضوع عدة شكاوى هناك بتهم التعذيب وجرائم الحرب والاغتصاب. إن مثول زعيم البوليساريو أمام قاض إسباني يوم الثلاثاء المقبل يشكل كارثة بالنسبة للجزائر التي أرادت بأي ثمن منع تقديم إبراهيم غالي للعدالة. كما أنه فشل للسلطة التنفيذية الإسبانية، التي لم تتوقع هذا السيناريو في أي وقت من الأوقات عندما قبلت الصفقة مع الجزائر باستقبال إبراهيم غالي تحت اسم مستعار.