وكان الجميع ينتظر بفارغ الصبر صدور عدد شهر مارس من مجلة "الجيش" الناطقة الرسمية باسم الجيش الجزائري وذلك بغية معرفة موقف الجيش من استئناف الحراك الشعبي بقوة ودعواته لإلقاء "الجنرالات في سلة المهملات"، فضلا عن الشعار المركزي للحراك ويتعلق الأمر بشعار "دولة مدنية ماشي عسكرية".
في مقال افتتاحي وعمود بعنوان "حقيقة مدنية ماشي عسكرية"، نشر في العدد 692 من مجلة "الجيش"، يحاول الجيش الجزائري التمييز بين ما يسمى الحراك "الأصلي"، الذي يرفع شعار "شعب، جيش، خاوة خاوة"، وحراك "الخونة"، أي المندسين "محترفي الإفك والتضليل، دولا كانوا، عصابات أو أفرادا...والذين يستثمرون حتى في الحراك والوباء، سلاحهم التفرقة والتعفين ومشروعهم فك روابط اللحمة بين الشعب وجيشه". من الواضح أن الحراك الأخير، الذي لا يختلف كثيرا عن الحراك الذي سبق الأزمة الصحية، يدعو إلى إلقاء الجنرالات الجزائريين في سلة المهملات وإقامة دولة مدنية ينحصر فيها دور الجيش في مهمته التقليدية المتمثلة في الدفاع عن حدود الوطن.
مجلة الجيش تحبل بالعديد من الأوصاف القدحية في حق المتظاهرين المعارضين للنظام، بل وصل الأمر إلى حد وصفهم بـ"عصابة متنافرة من الكواسر والذئاب والضباع"، واعتبرت أن الحراك يضم "منظمات إسلاموية إرهابية تتضامن مع من ينتسبون إلى اليسار أو العلمانيين أو حتى "الأحرار" الذين يريدون ديمقراطية الأوليغارشية".
يذكر هذا الخطاب العنيف ضد الحراك بالخطاب الذي ألقاه اللواء الراحل أحمد قايد صالح، الذي كانت مناوراته من أجل إدامة سلطة الجنرالات، قبل وبعد سقوط بوتفليقة، محط تنديد من قبل متظاهري الحراك كل يوم جمعة. في شتنبر 2019، ذهب قايد صالح إلى حد وصف متظاهري الحراك، الذين كانوا يعارضون الانتخابات الرئاسية بعد بوتفليقة، بـ"الخونة" و "البلطجية". في يوم الجمعة الثلاثين من الاحتجاج الشعبي، الذي صادف يوم 13 شتنبر 2019، رد مئات الآلاف من الجزائريين بمظاهرة حاشدة للمطالبة برحيل "النظام" بأكمله.
عاد قايد صالح، في مطلع دجنبر 2019، إلى التهجم على المتظاهرين، وهذه المرة على لسان وزير الداخلية آنذاك، صلاح الدين دحمون، الذي وصف معارضي انتخابات 12 دجنبر الرئاسية بـ"خونة ومرتزقة ومثليين". ومن المفارقات أن متظاهري الحراك ردوا على هذه الإهانة الأخيرة من خلال تنظيم مظاهرة ضخمة أطلقوا عليها اسم "قايد برايد" (Gaïd pride)، في إشارة إلى "فخر مثليين" (Gay pride).
وكأن كل هذه الإهانات لم تكن كافية، فإن "أبناء الجزائر"، بمن فيهم المقيمون في الخارج والذين تم تهديدهم مؤخرا بسحب الجنسية الجزائرية، متهمون أيضا بالتعاون مع الأعداء الأجانب. وهكذا يمكننا أن نقرأ في العدد الأخير من مجلة الجيش، أن "عدد صفحات فيسبوك المدارة من المغرب وحده، بهدف مهاجمة الجزائر وجيشها، وصل إلى أكثر من 500. ومن فرنسا حوالي 150 وإسرائيل حوالي 20 صفحة. وتروج نفس هذه الصفحات لمنشورات من صفحات أخرى تهاجم الحكومة والجيش وتنشر أخبارا كاذبة وشائعات".
ولإعطاء مجال أكبر لهذه الاتهامات للحراك واليد الأجنبية، كانت مجلة الجيش مدعومة من قبل وسائل الإعلام الرسمية، التي تعتبر المجلة العسكرية مرجعا، بل وحتى مصدرا مقدسا للمعلومات. وهكذا، وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية، "أكدت مجلة الجيش، في هذا الصدد، أن هذه الأطراف (الأجانب) قد حشدت بيادقها ومرتزقتها ووسائل إعلامها التي ... مثل النعام، ترفض الاعتراف بغطرسة وازدراء وعناد أن الجزائر الجديدة أصبحت حقيقة ملموسة!".
نفس الأمر نجده لدى صحيفة المجاهد التي علقت على محتوى مجلة "الجيش" وقالت بأن الحراك وأنصاره هم "أتباع الغش وضباع الفتنة ومحترفو الكذب والتضليل".
هذا الخميس 11 مارس 2021، أي عشية الجمعة 108 من الحراك، يحاول الجنرالات القيام بمناورة أخرى. يتعلق الأمر بإعلان استدعاء القضاء لرجل المخابرات الجزائري القوي السابق اللواء واسيني بوعزة الذي باتت إهاناته للحراك من خلال "الذباب الإلكتروني" معروفة. ومن المقرر أن تجري محاكمته الجديدة أمام المحكمة العسكرية في البليدة في 30 مارس.
لكن ما يتناساه الجنرالات هو أنهم يكررون نفس الإجراءات التي اتبعها قايد صالح وساعده واسيني بوعزة. من خلال إهانة الشعب الذي يتظاهر سلميا، يقوم النظام العسكري بإعادة إنتاج نسخة جديدة مما يسميه "الحراك الأصلي". للوصول بهذه النسخة الجديدة إلى ذروتها، لا يوجد سوى احتمال واحد: الموت أو السجن ينتظر كبار ضباط الجيش الجزائري.