انتشرت وحدات كبيرة من الجيش الموريتاني، منذ الاثنين 8 مارس 2021، في شمال غرب البلاد، تحسبا لمناورات عسكرية كبيرة ستجرى بين نهاية الأسبوع الجاري وبداية الأسبوع المقبل.
إن اختيار المنطقة التي ستجرى فيها هذه المناورات ليس مجرد صدفة، لأن الأمر يتعلق بالحدود مع الجزائر والمنطقة العازلة للصحراء المغربية، في المنطقة "الشمالية الغربية" من تيرس زمور، حيث توجد مناجم مهمة للحديد.
وبصرف النظر عن هذا الجانب الاقتصادي الاستراتيجي، فإن السياق الذي تجري فيه هذه المناورات يرتبط بشكل جلي بنقطة التحول الحاسمة التي اتخذتها قضية الصحراء منذ خريف عام 2020، بالتدخل العسكري للقوات المسلحة الملكية في معبر الكركرات، ثم اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء. وهو وضع جعل البوليساريو تشكل تهديدا حقيقيا لمصالح موريتانيا.
وهكذا، فإن إعادة الأمن والنظام بشكل نهائي في المعبر الرابط بين المغرب وإفريقيا يوم 13 نونبر الماضي هو في صالح موريتانيا إلى حد كبير. فقد حاولت البوليساريو خنق هذا البلد اقتصاديا من خلال إغلاق ممر الكركرات لمدة ثلاثة أسابيع، وبالتالي خلق تحديات أمنية لموريتانيا، تجسدت في تهديدات البوليساريو باستهدافها عسكريا في حالة نشوب أي تصعيد محتمل في الصحراء.
وفي خضم أزمة الكركرات، شن زعيم البوليساريو إبراهيم غالي حملة ضد موريتانيا. ثم قال في بيان حربي إنه في حالة اندلاع حرب جديدة في الصحراء "فإن موريتانيا لن تكون بمأمن منها، ولكن ستتحمل تداعيات استئناف الأعمال العدائية".
وبسبب معرفتها أن وراء جبهة البوليساريو، هناك الجزائر، أخذت السلطات الموريتانية هذه التهديدات على محمل الجد، كما يتضح من العديد من الإجراءات والقرارات التي اتخذها السلطات الموريتانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وهكذا، شرعت السلطات الموريتانية في 6 يناير الماضي في إنشاء "منطقة دفاع حساسة"، ردا على إعلان البوليساريو انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 مع الأمم المتحدة. تهدف هذه المنطقة الدفاعية الحساسة، التي أقرها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نفسه، إلى منع أي تسلل لعناصر مسلحة من البوليساريو إلى الأراضي الموريتانية. ولضمان احترام هذه المنطقة العسكرية، توجه رئيس الأركان العامة للجيوش الموريتانية، اللواء محمد ولد مكت، في نفس الوقت إلى الجزائر لمطالبة نظيره الجزائري، سعيد شنقريحة، بـ"منع أعضاء البوليساريو من خرق المنطقة الدفاعية المذكورة التي أنشأتها موريتانيا.
وعلاوة على ذلك، ليست هذه هي المرة الأولى التي تتصرف فيها موريتانيا بهذه الطريقة ضد البوليساريو، فمنذ يوليوز 2017، قررت إغلاق جميع حدودها مع الجزائر، بإصدار قرار يجعل من منطقة الشمال والشمال الشرقي من البلاد "منطقة عسكرية"، وذلك بعد الاشتباه في تورط عناصر مسلحة من البوليساريو في تهريب المخدرات بين مخيمات تندوف ومالي مرورا عبر شمال موريتانيا.
تعتبر المناورات التي يستعد لها الجيش الموريتاني منتصف مارس في هذه المنطقة الحساسة الواقعة شمال غرب البلاد، من أهم المناورات التي يقوم بها الجيش الموريتاني بمفرده. ستشارك ثلاثة مناطق عسكرية (داخلة نواذيبو وأدرار وتيرس زمور، أي النصف الشمالي بأكمله من البلاد)، بالإضافة إلى وحدات النخبة: القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب وكومندو المظليين والقوات الجوية.
وتجدر الإشارة إلى أن موريتانيا استضافت على أراضيها، في فبراير 2020، أكبر مناورة عسكرية في إفريقيا (فلينتلوك 2020) من حيث عدد الجنود المشاركين وعدد الدول المشاركة: الولايات المتحدة وفرنسا والمغرب ونيجيريا وألمانيا والنيجر وإسبانيا واليابان والكاميرون والرأس الأخضر وتشاد وإيطاليا وكندا والبرازيل وساحل العاج والنرويج والسنغال وهولندا وبلجيكا والنمسا وغانا وبولندا والمملكة المتحدة والبرتغال وتوغو وغينيا وموريتانيا ومالي وجمهورية التشيك وبوركينا فاسووبنين.
ومكنت هذه المناورات، بالإضافة إلى محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، الجيش الموريتاني من تعزيز قدراته القتالية والتكيف مع التضاريس واكتساب الخبرة التي تمكنه من توقع الأخطار الآتية من حدوده الشمالية.