وصل جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض، إلى مطار الرباط بعد ظهر الثلاثاء 22 دجنبر 2020، برفقة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي ماير بن شبات والمساعد الخاص لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية والمساعد الخاص لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية والممثل الخاص المكلف بالمفاوضات الدولية، أفراهام بيركوفيتش.
وقد حظي هذا الوفد الأمريكي الإسرائيلي رفيع المستوى بشرف الاستقبال الملكي والذي جدد الملك محمد السادس "الإعراب عن ارتياحه العميق للنتائج التاريخية للاتصال الذي أجراه جلالته في 10 دجنبر 2020 مع السيد دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية". هذا الاتصال التاريخي، الذي أجري يوم 10 دجنبر 2020، والتي تم خلالها الإعلان عن القرار التاريخي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء.
وقبل أسبوع من الزيارة، وقع رئيس الدولة الأمريكية إعلانا رئاسيا يقرر فيه الاعتراف، لأول مرة، بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على جميع أراضيها. هذا القرار، الصادر عن أعلى سلطة أمريكية، ذو أهمية من حيث شكله. فالإعلان الرئاسي هو تصرف رسمي وعلني ذي أهمية قصوى في التاريخ الأمريكي. ويكفي في هذا الصدد التذكير بالإعلان الرئاسي القاضي بإلغاء الرق في الولايات المتحدة الأمريكية والذي وقعه الرئيس أبراهام لنكولن.
القرار الرئاسي وتداعياته
الإعلان الرئاسي هو أيضا قرار سيادي يتمتع بقوة قانونية ومؤسسية ثابتة، بغض النظر عن الميول السياسية للرئيس. والدليل على ذلك هو دخوله حيز التنفيذ فورا على أرض الواقع. وهكذا قامت الإدارة الأمريكية، غداة هذا الإعلان، بعدد من التغييرات اللازمة: تم تصحيح كل خرائط المغرب بحذف "النقاط الوهمية" ضمن جميع الإدارات الأمريكية. يجب ألا تفصل جميع التقارير الواردة من الأخيرة المغرب عن صحرائه. بعبارة أخرى، أصبح مصطلح "الصحراء الغربية" محظورا الآن في الوثائق الأمريكية الرسمية. وفضلا عن ذلك، فإن الولايات المتحدة ستراجع، عندما يحين الوقت، جميع اتفاقياتها بحيث تعكس هذا الموقف الجديد بشأن الصحراء. كما أنه تم إخبار الكونغرس الأمريكي رسميا بهذا القرار التاريخي.
وبصفتها الدولة التي تحرر مشاريع القرارات المتعلقة بالصحراء في مجلس الأمن، فقد أبلغت الولايات المتحدة أيضا هذه الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة (التي هي عضو دائم فيها) وكذلك الأمين العام لهذه المنظمة، بمحتوى هذا الإعلان الرئاسي الذي يعتبر اقتراح الحكم الذاتي المغربي بأنه "الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لنزاع الصحراء".
يؤكد هذا القرار ويعطي معنى لكل التصريحات التي صدرت سابقا من قبل كبار المسؤولين الأمريكيين، سواء الذين ينتمون للحزب الجمهوري أو الديموقراطي، على مدى العقدين الماضيين. يتعلق الأمر بتتويج لمشاورات مكثفة برزت من خلالها حكمة وقوة الإقناع لدى المملكة المغربية والتي آتت أكلها: فالدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، تمكنت من إقناع محاوريها بعدالة قضيتها.
فإلى جانب الأسرار الخاصة التي أدلى بها كبار المسؤولين في واشنطن لنظرائهم المغاربة (والتي قد يظل بعضها سراً إلى الأبد)، هناك عدد كبير من الرسائل والإعلانات والبيانات الرسمية التي تبرز المسار الذي أدى إلى الإعلان الرئاسي الأخير.
دعم الولايات المتحدة لمخطط الحكم الذاتي ليس وليد اليوم
في عام 1999، تم التصديق على "مذكرة العمل" لتجسيد رؤية إدارة كلينتون لـ"حل سياسي متفاوض بشأنه، يقوم على حل وسط وعلى خطة حكم ذاتي واسع يحترم سيادة المملكة" على الصحراء. بين عامي 2000 و2003، تعهد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، باتباع هذا المسار، ووجه الرئيس جورج دبليو بوش رسالة إلى الملك محمد السادس. وأعرب حينها عن "دعم الولايات المتحدة الكامل لمقترحات الحكم الذاتي التي طرحها المغرب".
وقد قدمت المملكة مقترحات بهذا الخصوص للأمم المتحدة في أبريل 2007، كجزء من خطتها للحكم الذاتي، والتي تم دعمها على الصعيد الدولي، بما في ذلك من قبل المسؤولين الأمريكيين. بل إن الرئيس بوش بعث برسالة جديدة إلى الملك، في يونيو 2008، وصف فيها هذه الخطة بأنها "جادة وذات مصداقية"، مع التأكيد بأن الولايات المتحدة تعتبر "أن دولة مستقلة ليست حلا ممكنا وواقعيا". وهو موقف كرره في رسالته الرسمية الأخيرة إلى الملك في دجنبر2008، وهي التي تحمل فيها فكرتين قويتين: "الاستقلال خيار غير واقعي" وبأن "خطة الحكم الذاتي المغربية هي الحل الوحيد" لنزاع الصحراء.
تميزت فترة حكم باراك أوباما بتفهم كامل للحل الذي اقترحته المملكة. ففي نونبر 2009، أعلنت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون دعم إدارة أوباما لخطة الحكم الذاتي المغربية، واصفة إياها بأنها "جادة وذات مصداقية وواقعية". استخدم الرئيس أوباما نفس المصطلحات عندما استقبل الملك محمد السادس في البيت الأبيض في نونبر 2013، وكذلك في البيان الصحفي المشترك الصادر في ختام هذه الزيارة الملكية. بعد ذلك بعامين، استخدم وزير الخارجية السابق جون كيري أيضا نفس العبارات الثلاث "الجادة والمصداقية والواقعية" لوصف خطة الحكم الذاتي المغربية.
لقد دعمت واشنطن دائما سيادة المملكة على صحرائها وخطة الحكم الذاتي المغربية، ليس فقط من البيت الأبيض ولكن من البرلمان. بين عامي 2006 و2010، تم إرسال ما لا يقل عن أربعة رسائل من قبل المسؤولين المنتخبين إلى الرئيس أو كتاب الدولة، للدفاع عن القضية المغربية. جمعت هذه الرسائل حوالي 564 توقيعا من أعضاء الكونغرس المنتمين لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. علاوة على ذلك، منذ عام 2015، صادق الكونغرس بشكل منهجي، في قانون الميزانية الفيدرالية، على إدراج الأقاليم الجنوبية الصحراوية كجزء لا يتجزأ من المملكة المغربية، المؤهلة للحصول على أي شكل من أشكال الدعم أو القروض الأمريكية.
تحول كبير
وهذا يعني أن غالبية صناع القرار الأمريكيين دعموا المملكة لسنوات واعتبروا وحدتها الترابية خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه. وهو رد على مزاعم الأقلية، المعروفة بدعمها غير المفهوم لحركة انفصالية تزداد يوما عن يوم عزلة لأنها لا تزال غارقة في تصوراتها الماركسية. واليوم تجد هذه الحركة نفسها محاصرة بعد هذا القرار الأمريكي الذي سيعطي ديناميكية تسير في اتجاه تكريس مغربية الصحراء. وفضلا عن ذلك، واستنادا إلى مواقف التأييد التي أعربت عنها ميدانيا مجموعة من الدول الصديقة التي قررت فتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها عن افتتاح قنصلية بالداخلة ستكون مهمتها اقتصادية بشكل أساسي بهدف تشجيع الاستثمار والمساهمة في التنمية المحلية.
ويشكل هذا القرار نقطة تحول رئيسية وتاريخية في العلاقات المتميزة والمتفردة التي تجمع البلدين. إنه يعزز شراكة استراتيجية ثنائية ذات طابع متفرد يعود تاريخها إلى قرون خلت. فقد ذكر الرئيس ترامب، في 10 دجنبر، بأن المملكة كانت أول دولة تعترف بالولايات المتحدة عام 1777، في عهد السلطان محمد الثالث. منذ ذلك الحين، وجدت الدولتان نفسيهما دائما في نفس الجانب من التاريخ: عندما يتعلق الأمر بتأمين التجارة البحرية، أو عندما كان من الضروري مواجهة النازية، عندما كان عليهما مواجهة انعكاسات الحرب الباردة ... أو مواجهة الإرهاب والتطرف.
وهكذا فقد اتم اختيار المغرب سنة 2004 كحليف رئيسي للولايات المتحدة خارج الناتو وتعد المملكة الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة. كما أن البلدين يقيمان اليوم تعاونا استراتيجيا يهدف إلى تعزيز العمل المشترك بين قواتهما المسلحة. وتجلى ذلك في السنوات الأخيرة من خلال مناورات عسكرية مشتركة نموذجية. وقد تم تعزيزها مؤخرا من خلال توقيع مذكرة تتضمن تطوير صناعة عسكرية وطنية، وفقا لإرادة للعاهل المغربي.
الأفضل لم يأت بعد، لأن هذا الإعلان الأمريكي التاريخي هو، في نهاية المطاف، تجديد لتحالف كان له دائما طابع متفرد، ومدعو من الآن لاكتساب زخم جديد.