عبد المجيد تبون مازال حيا يرزق. بل يمكنه حتى الجلوس والتحدث. هذه هي الرسالة الأولى المهمة التي يمكن استخلاصها من خرجته الإعلامية يوم الأحد الماضي عبر تويتر، من خلال فيديو قصير مدته خمس دقائق. لكن الرجل، الذي ظهرت عليه علامات المرض، لم يتعاف من المرض الذي أجبره على التواري عن الأنظار لمدة 59 يوما متوالية. إن هذا الظهور غير المتوقع على الإطلاق يمكن تشبيهه بذلك الميت الذي يستيقظ فجأة في اللحظة التي يتم فيها الاستعداد لدفنه.
ولكن ما حير كل المراقبين هو أن الرئيس الجزائري تجاهل القناة الرسمية، وبالتحديد التلفزيون الجزائري الحكومي. واختار التحدث مباشرة عبر تويتر، من خلال نشر مقطع فيديو تم تصويره (على الأرجح) من قبل الأقارب. على أية حال، فإن هذه الخرجة على تويتر هي سابقة، لكنها أيضا بدعة في الجزائر حيث يظهر جميع الرؤساء ويتحدثون أولا عبر القناة التلفزيونية الرسمية.
لم يختر تبون اللجوء إلى شبكة التواصل الاجتماعي، بل فرض عليه ذلك. فقد كان تبون والوفد المرافق له يخشون منع أو التلاعب في القنوات الرسمية. وهذا يوحي إلى أن انقلابا طبيا كان وشيكا للإطاحة به وأن الجيش كان يستعد لـ"إقالته" من خلال استبداله بشخصية أخرى طيعة، على الأرجح رمطان لعمامرة.
وفضلا عن ذلك، في الأيام الأخيرة، نظم كبار ضباط الجيش (أركان الجيش والدرك والمخابرات وقادة المناطق العسكرية) اجتماعات ماراطونية متعددة منذ منتصف الأسبوع الماضي. كان من الواضح أن الجيش كان يخطط لمناورات، ليست عسكرية بل سياسية، في ضوء غياب تبون الذي طال أكثر من اللازم.
ويخشى قادة الجيش عودة تبون على كرسي متحرك، مع كل ما يترتب على ذلك من خطر عودة الحراك من جديد. ويقال إنهم دفعوا العديد من الشخصيات المدنية للمطالبة، من خلال وسائل الإعلام، بعزل تبون.
وفي هذا السياق يأتي اقتراح الحاج ناصر، الرئيس السابق لبنك الجزائر، القاضي بالدعوة إلى إسناد إدارة البلاد بشكل مستعجل للجنة الحكماء. وسار سياسيون آخرون على المنوال نفسه، وتحدثوا أحيانا عن حكومة انتقالية اقترحها رشيد نكاز، وأحيانا أخرى عن حكومة وحدة وطنية مؤقتة اقترحها الإسلامي المقرب من الجيش عبد الرزاق مقري.
ربما كان رد فعل تبون على هذه الاستعدادات للإطاحة به هو الظهور على تويتر بشكل عاجل ومفاجئ. خطابه القصير ليس مهما في حد ذاته، لأنه ليس الهدف الحقيقي لخرجته الإعلامية. علاوة على ذلك، فالأمر يتعلق بمجرد حديث غير متسق حول شؤون بلد كان غائبا عنه لمدة شهرين، ومن هنا نفهم الهفوة التي ارتكبها عندما تحدث عن قانون المالية 2020 (بدلا من قانون مالية 2021).
كان هدفه الأساسي من خلال مفاجأة أجهزة المخابرات الجزائرية، هو اكتساب الشرعية الدولية. إن غضبه على كل من هم على رأس الدولة الجزائرية واضح وجلي. إن تجاهل الوزير الأول عبد العزيز جراد ورئيس أركان الجيش، اللواء سعيد شنقريحة، تدل على وجود قطيعة بينه وبين كل هؤلاء.
يجب أن نتذكر أن شنقريحة أبدى أيضا غضبه بشكل غير مباشر من الفيديو الذي ظهر فيه تبون. افتتح التلفزيون الجزائري العمومي الأخبار يوم الأحد على الساعة الثامنة مساء، بنشاط رياضي، أي بمباراة نهائية بين فريقين عسكريين لكرة القدم، وهو النشاط الذي ترأسه رئيس الأركان. فيما تم إدراج فيديو رئيس الجمهورية القائد الاعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع ... في المرتبة الثانية. إن تقديم مباراة لكرة القدم العسكرية على نشاط قام به رئيس الدولة، في قناة وطنية رسمية، هو في حد ذاته مؤشر لا جدال فيه على استياء الجنرالات من الرئيس المريض.
إن وضع نشاط للرئيس تبون وراء مباراة كرة قدم عادية، ولكنها تتعلق بالجيش، هو أيضا مؤشر على أن استخدام تويتر من قبل المحيط الرئاسي كان الهدف منه تجنب عدم نقل ظهور رئيس الدولة الجزائرية على القنوات التلفزيونية الوطنية.
ومن هنا فإن الجنرالات الجزائريين سيتعين عليهم أن يتعاملوا مع رئيس مريض لبعض الوقت. سيبقون تبون في الوقت الحالي على كرسي الرئاسة، حتى ولو كان كرسيا متحركا، لتمرير نصوص عاجلة: توقيع الدستور بهدف دخوله حيز التنفيذ والتوقيع على قانون المالية 2021، واعتماد قانون انتخابي جديد سيكون بمثابة الأساس للانتخابات التشريعية والبلدية المقبلة في الجزائر.
كما أن الجنرالات وقعوا بالنيابة عنه رسالة تهنئة موجهة إلى الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، المنتخب في 7 نونبر، مستغلين فترة التهدئة القصيرة التي يعتزمون منحها لتبون. ولكن إلى أي متى؟