حل منذ صباح الجمعة 20 نونبر 2020 بنواكشوط، مسؤول العلاقات الخارجية للجبهة الانفصالية في زيارة لم يعلن عنها من قبل أي وسيلة من وسائل الإعلام الجزائرية أو الموريتانية، ولكنه لم يستقبل من قبل الرئيس الموريتاني إلا يومه الاثنين، وهو اليوم الأول من الحداد الوطني الذي أعلنته موريتانيا بعد وفاة الرئيس الموريتاني الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. علاوة على ذلك، فإن هذا العضو في الجبهة الانفصالية لم يستقبل إلا عند عودة الرئيس الموريتاني من جنازة رئيس موريتانيا السابق.
وبحسب بعض وسائل الإعلام الموريتانية، فإن هذه الزيارة، التي تأتي في وقت لا يزال فيه غضب الموريتانيين ضد البوليساريو مازال محتدما، تم التفاوض بشأنها بمجرد طرد البوليساريو من الكركرات من قبل القوات المسلحة الملكية المغربية.
وأعقب هذه العملية على الفور بناء جدار أمني يمتد إلى الحدود مع موريتانيا. وهذا التلاقي بين حدود البلدين الجارين (المغرب وموريتانيا) بالتحديد هو الذي يثير غضب البوليساريو، وهو ما دفعها إلى إبلاغ السلطات الموريتانية بأنها تنوي إرسال وفد لها "لمناقشة بعض النقاط العاجلة". وقد منح تصريح بذلك في بداية الأسبوع الماضي، والترخيص لدخول الوفد إلى الأراضي الموريتانية عند المعبر الحدودي مع الجزائر.
لكن في الحقيقة لم تكن خلال لقاء أمس الاثنين 23 نونبر أية نقاشات، بل اكتفى مبعوث إبراهيم غالي بإيصال رسالة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني. واتضح أن هذه الرسالة تتماشى مع التصريحات الأخيرة لزعيم البوليساريو، الذي أكد، في خضم أزمة الكركرات، أنه في حالة اندلاع حرب في الصحراء، فإن "موريتانيا هي التي ستدفع الثمن الباهظ"، مما يعني أن نواكشوط يتعين عليها وقف مبادلاتها مع المغرب، وإلا فإنها ستتعرض للانتقام من قبل جبهة البوليساريو والجزائر.
على أية حال، عند خروجه من اللقاء مع الرئيس الموريتاني، قال مبعوث الانفصاليين في تصريح صحفي لا لبس فيه حول مضمون رسالة إبراهيم غالي. وبحسبه، فإن البوليساريو "تعتبر أن الاستقرار والأمن في المنطقة مرتبطان باحترام الحدود (...)" و "ستسعى دائما إلى أن يقوم السلام على أساس العدل واحترام الحدود و"الوحدة الترابية لجميع مكونات المنطقة".
وبعبارة أوضح، فإن مبعوث الكيان الوهمي جاء إلى نواكشوط للحديث عن "الحدود"، بهدف وحيد هو مناقشة حق موريتانيا المشروع والسيادي في أن يكون لها حدود مشتركة مع المغرب.
بعد هذه التصريحات، يخشى أنه بعد الفشل في إغلاق معبر الكركرات التجاري كما خططوا لذلك، ستشرع الجزائر وجبهة البوليساريو في القيام بمناورات من أجل زعزعة استقرار موريتانيا.
وبالتالي فهما يعتزمان الضغط على ما أسماه هواري بومدين، من خلال الإشارة إلى موريتانيا، على "الحلقة الضعيفة" في نزاع الصحراء. فالجزائر والبوليساريو مازالا يعتقدان بأنها الوسيلة الوحيدة لعرقلة الحركة التجارية على المحور الدولي الرابط بين طنجة ولاغوس.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي خطتهما للقيام بذلك؟ إذا كان لا بد من عدم استبعاد زعزعة استقرار على "الطريقة المالية" (نسبة إلى دولة مالي)، نظرا للصلات بين البوليساريو والجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل والتي غالبا ما يقودها الجزائريون، فإن خيار دعم المعارضين للسلطة الحالية هو خيار وارد جدا. لإن الجزائر له تجربة في إثارة الانقلابات في موريتانيا.
ولكن في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمر بها النظام الجزائري، خاصة مع نقل الرئيس تبون إلى ألمانيا للعلاج منذ أكتوبر الماضي، ولا شيء لحد الآن يوحي بتعافيه. أضف إلى ذلك الهزيمة الديبلوماسية للجزائر في أزمة الكركرات، بحسب أن جميع دول العالم دعمت تقريبا المملكة المغربية، وبالتالي تهاوت الفكرة التي كان يحاول دائما نظام العسكر الجزائري التي تزعم بأن الجزائر هي "قوة إقليمية"، إذ لم يعد أي أحد ينخدع بها بما في ذلك الجزائريون أنفسهم.
هذه الجزائر، التي أصيبت جميع وزاراتها بالشلل ولم تتمكن استخباراتها من توقع أو التحذير من التدخل العسكري للقوات المسلحة الملكية لاستعادة النظام في الكركرات، تركز اليوم غضبها على زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، الذي كان تمادى كثيرا في مناوراته في الكركرات دون حساب للعواقب. والمعلومات التي يتم تداولها منذ أيام هي أن نظام الجزائر تسعى للتخلص من إبراهيم غالي، الذي لا يعزى بقاءه على رأس قيادة البوليساريو إلا بسبب غياب الرئيس تبون.
لذلك إذا تم تحذير محمد ولد الشيخ الغزواني من قبل جبهة بوليساريو الانفصالية والجزائر، فليس من المؤكد أن هذا الثنائي لديه، في الظرفية الحالية، الوسائل التي تمكنه من ترجمة نواياه إلى أفعال.