ما تزال قيادة الجيش الجزائري صامتة بعد أربعة أيام من تدخل القوات المسلحة الملكية بمعبر الكركرات، التي فاجأت ديناميكيتها النظام الجزائري. وقد مكنت هذه العملية العسكرية من طرد قطاع الطرق الانفصاليين وإعادة الحركة التجارية بين المغرب وموريتانيا وإفريقيا جنوب الصحراء.
بعد شعورها بالمرارة من غياب رد فعل للجيش الجزائري، الذي عادة ما يسارع إلى التباهي من خلال التدريبات العسكرية المدوية على حدود الدول المجاورة، حقق موقع جزائري وتليفزيون عام إنجازا من خلال انتزاع رد فعل رئيس أركان الجيش الجزائري. لا يعني ذلك أن اللواء سعيد شنقريحة أدلى بأي تصريح حصري لهذه الوسيلتين الإعلاميتين، بل قامت هاتين الأخيرتين بالعودة إلى الأرشيف واستخراج مقطع فيديو يعود إلى عدة أشهر، يظهر فيه رئيس أركان الجيش الجزائري يهاجم المغرب هجوما عنيفا.
في هذا الفيديو القديم، بدا شنقريحة غاضبا ويلوح بذراعيه بشكل محموم ويضغط بعصبية على كل مقطع من الكلمات التي ينطقها أمام جمهور مكون فقط من عناصر الجيش.
إخراج محبوك من أجل الإيهام بأن الأمر رد فعل على عملية إعادة فتح معبر الكركرات من قبل القوات المسلحة الملكية.
وصرح سعيد شنقريحة قائلا: "اليوم، أعتمد على الجميع، كل في منصبه، من أبسط جندي إلى أعلى رتبة، لمهمة نبيلة، مهمة الدفاع عن حدودنا ضد الإرهاب وضد المهربين وحتى ضد عدو كلاسيكي".
من الواضح أن "العدو الكلاسيكي" الذي يتحدث عنه هو المغرب، وهو نفس العدو الذي هزم الجيش الجزائري في عدة مناسبات (حرب الرمال، المحبس، أمغالا...)، وهذه الهزائم هي التي تشكل أصل "العقدة الجزائرية" تجاه المغرب.
في عام 2019، عندما كان لا يزال قائدا للجيش البري فقط، وصف سعيد شنقريحة المغرب بأنه "عدو للصحراويين والجزائر"، واعتبر أن الصحراء المغربية "إقليم مغتصب ظلما من قبل المحتل المغربي المستبد".
ويؤكد شنقريحة، ليس في معرض رد فعله الوهمي على أحداث الكركرات كما ادعت الوسيلتان الإعلاميتان الجزائريتان، ولكنه في تصريح سابق صحيح، أن "الجزائر هي أقوى دولة في المنطقة، الأقوى برئاستها، بحكومتها، بكل مؤسساتها وجيشها".
وإذا كان الرئيس يوجد حاليا في ألمانيا، بين الحياة والموت في المستشفى، فإن الحكومة مشلولة تماما تخوفا من مصير مماثل لمصير عبد المالك سلال وأحمد أويحيى اللذين يوجدان في السجن، كما أن الجيش ليس أفضل حالا. فالقوة العسكرية لا تقتصر فقط على حجم الميزانية، مهما كانت هائلة، بل إلى أسلحة فعالة وقوات محفزة. ومع ذلك، فإن الجيش الوطني الجزائري لا يظهر سيطرة على أسلحته، مثل الطائرات العسكرية للجيش الجزائري التي حققت الرقم القياسي في الحوادث والوفيات في العالم. أما بالنسبة للجنود، فكيف يمكن أن تكون لهم معنويات جيدة عندما يرون مشهد الحروب التي يخوضها الجنرالات الجزائريون في ما بينهم، ومعظمهم هاربون أو في السجن أو تحت الإقامة الجبرية هذا إذا لم تتم تصفيتهم جسديا؟
غياب الحافز لدى عناصر الجيش الجزائري ينضاف إلى غضب الشعب الجزائري الذي يرفض رفضا باتا دعم موقف النظام العسكري المصالحي بشأن الصحراء المغربية. خاصة وأن هذا النظام العسكري ينخره الفساد. والمثال الحي على ذلك هو سعيد شنقريحة نفسه الذي، مثل سلفه أحمد قايد صالح، يتقاضى جميع أبنائه أجورا من ميزانية الجيش.
فابنه، الذي عينه في منصب نقيب في الجيش، يتابع دراساته في باريس بمنحة شهرية قدرها 12 ألف يورو، بالإضافة إلى راتب ملحق عسكري.
عينت ميليسا شنقريحة، إحدى بناته التي تشتغل في الأمم المتحدة بجنيف، في نفس المنصب، ولكنها تعمل من مكتب الملحق العسكري داخل السفارة الجزائرية في سويسرا. ترتبط ثلاث بنات أخريات لسعيد شنقريحة (طبيبة ومهندسة معمارية وصاحبة فندق) بعقود مربحة أو ينفذن عقودا مربحة لصالح المؤسسة التي يديرها والدهن.
ولأخذ فكرة عن حجم الفساد داخل الجيش الشعبي الوطني الذي لا يستفيد منه سوى كبار المسؤولين، دعونا نتذكر أنه في غشت الماضي، اتهم مدير الاتصالات السابق في وزارة الدفاع، اللواء عبد القادر لشخم، من قبل اللواء سيد علي ولد زميرلي، مدير عام الأمن في الجيش الجزائري، ببذر مبلغ مالي كبير قدره 2 مليار دولار!
لذلك فإن هذا الجيش الجزائري، الذي يغيب قائده الأعلى ووزير الدفاع عبد المجيد تبون، تفاجأ بالعملية العسكرية المغربية في الكركرات وهي العملية التي أشاد العالم بأكمله بجدواها وشرعيتها.
سعيد شنقريحة، الذي دفعه الحظ الأكبر إلى تولي منصب رئيس الأركان، لا يمكنه فعل أي شيء حيال ذلك، لأنه لا يحمل حتى لقب نائب وزير الدفاع، بخلاف سلفه، للمشاركة في صنع القرارات الاستراتيجية.