ليس غريبا أن تفتح دولة الإمارات العربية المتحدة قنصلية لها في العيون، أكبر مدينة في الصحراء المغربية. فقد كان هذا البلد الخليجي من أوائل الدول التي اعترفت ودافعت عن مغربية الصحراء. وهكذا فقد شارك العديد من المسؤولين الإماراتيين في نونبر 1975 في المسيرة الخضراء.
ولكن المفاجأة هي أن محمد بن زايد، ولي العهد والرجل القوي الحالي في الإمارات العربية المتحدة، اختار وقتا كان يعتقد فيه الجميع أن العلاقات المغربية الإماراتية تمر بأزمة، ليعلن للملك محمد السادس قرارا بفتح بلاده قنصلية عامة في العيون.
ورأت المواقع المقربة من النظام الجزائري وجبهة البوليساريو، التي بدت مصدومة من الحمولة القوية لهذا القرار المساند لمغربية الصحراء، من زاويتها الضيقة أن الإمارات، التي قامت مؤخرا "بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، تعمد إلى فتح قنصلية لها في العيون".
غير أن العلاقات بين أبو ظبي والجزائر كانت، حتى الأشهر القليلة الماضية على الأقل، قوية للغاية، إذ أنه منذ عام 2016، ضخت الإمارات حوالي 10 مليارات دولار من الاستثمارات في الاقتصاد الجزائري: الموانئ والعقارات والصناعة الميكانيكية... بل وحتى العسكرية أيضا.
في الواقع، فإن أبو ظبي هي سوق عسكري مفضل للجزائر، كما يتضح من الزيارات المتعددة للجنرالات الجزائريين، وعلى رأسهم رؤساء أركان الجيش الجزائري المتعاقبون، بمن فيهم الراحل أحمد قايد صالح والرجل القوي الحالي للبلاد، الجنرال سعيد شنقريحة.
وتخصصت بعض الشركات الإماراتية، التي لا تنتج أسلحة بطبيعة الحال، قبل كل شيء في المناولة من بيع المعدات العسكرية الغربية، المتطورة نسبيا ولكنها مستعملة، للجيش الجزائري. وتهدف هذه المعدات إلى تحسين جودة الأسلحة الروسية التي تشتريها الجزائر العاصمة بكميات كبيرة من خلال عقود غير شفافة وعمولات تكلف الميزانية العامة للجزائر سنويا أكثر من 10 ملايير دولار. وبالتالي فإن هذا الشريك المهم للمؤسسة العسكرية الجزائرية هو الذي وجه ضربة للبوليساريو، من خلال افتتاح قنصلية إماراتية في العيون.
صحيح أن خلافات كبيرة لبدت في الأشهر الأخيرة سماء العلاقات الجزائرية الإماراتية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الليبية على وجه التحديد. ففي الوقت الذي أراد فيه النظام الجزائري الجديد أن يستغل الوضع الليبي المعقد ليبرز الجزائر "كقوة إقليمية أساسية"، إلا أنها تحولت في آخر المطاف إلى خادمة لأجندة تركيا في المنطقة. مقاولًا من الباطن لتركيا. وكانت الأسرار التي كشف عنها الصندوق الأسود لرئيس الأركان الجزائري السابق، أحمد قايد صالح، المساعد قرميط بونويرة لجهاز الاستخبارات التركي، هو السبب الذي جعل الجزائر تخضع لأنقرة.
يوم الخميس 29 أكتوبر 2020، لم يكن لممثل البوليساريو في أوروبا، وهو في حقيقة الأمر موظف يعمل في السفارة الجزائرية في بروكسل، أي رد فعل آخر سوى الاعتراف، كما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن المغرب نجح في فتح عدة قنصليات في الصحراء المغربية، مضيفا أنه "على المستوى متعدد الأطراف لم تفتح أي منظمة دولية قنصلية لها في الصحراء". مع العلم أن المنظمات الدولية ليس لديها قنصليات في أي مكان في العالم، وهنا يظهر جهل هذا الانفصالي بقواعد القانون الديبلوماسي.
وبحسب قوله، فإنه "أمام الفشل الذريع في إحراز أي مكسب على المستوى المتعدد الأطراف وفقدانه الأمل في تحقيق أي مكسب هناك، لجأ المغرب إلى المستوى الثنائي بعيدا عن المنظمات والتكتلات الدولية الكبرى، وذلك باستهداف بعض الدول الصغيرة واغرائها بتمويل فتح قنصليات". غير أن الحقيقة أن ستة عشر دولة، بما في ذلك عضو مؤثر في جامعة الدول العربية، وخمسة عشر عضوا في الاتحاد الأفريقي تعتبر "دول صغيرة" في نظر الجزائر والبوليساريو، لقيامها بفتح قنصليات سيادية في المغرب، وهو حق اعترف بهما من قبل مجلس الأمن في أبريل الماضي. إنه سياسة الهروب إلى الأمام التي تبرز بجلاء ارتباك وحيرة الجزائر وميليشياتها الانفصالية.
بغض النظر عن مصالح الإمارات في الجزائر، فإن افتتاح قنصلية العيون يثبت أن النظام الإماراتي هو حليف استراتيجي للمغرب. قد تكون هناك غيوم تلقي بظلالها على سماء العلاقات بين الرباط وأبو ظبي من وقت لآخر، غير أن العلاقة بين البلدين تقوم على أساس قوي لا يتزعزع.
إن افتتاح قنصلية الإمارات في الصحراء المغربية مهم للغاية، لأنها أول دولة غير إفريقية تصادق على افتتاح ممثلية دبلوماسية لها في الصحراء الأطلسية. وبدون شك ستحذو دول أخرى حذوها. أما الجزائر وميليشياتها فلن تكون قادرة على فعل أي شيء حيال ذلك.