أجرى الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون لقاء جديدا مع بعض وسائل الإعلام المحلية بثه يوم الجمعة فاتح ماي التلفزيون الجزائري العام. هذه الخرجة الإعلامية أكدت للجزائريين أن لا شيء على رأس هرم دولتهم، وأنه يجب عليهم توقع الأسوأ، في مواجهة مجموعة من العوامل السلبية العديدة: سلطة غير شرعية وأزمة كوفيد-19التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد والانخفاض الحاد في أسعار النفط...
أبان تبون في هذه المقابلة الطويلة مع الصحافة عن رعونته وتناقضه وشعبويته، ولكنه على الأقل اعترف بتبذير أموال الجزائريين خلال العقود الخمسة الماضية: فالجزائر كانت تصرف العائد النفطي والدين الخارجي لتحقيق هدف وحيد هو الإضرار بالوحدة الترابية للمغرب.
وقال في هذا الحوار: "لن نذهب للمديونية، لن نذهب لا لصندوق النقد الدولي ولا للبنك الدولي لأن المديونية تمس بالسيادة الوطنية وهي تجربة عشناها بداية التسعينيات"، لأن "عندما نقترض من بنوك خارجية، سيحول ذلك دون أن تؤكد الجزائر موقفها بشأن قضايا من بينها (...) الصحراء الغربية". كنا نعرف هذه الحقيقة، ولكنها تصبح أكثر وضوحا إذا جاءت على لسان رئيس الدولة الجزائرية!
فهذه التصريحات صادرة عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كما نقلتها حرفيا وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
الجزائر على وشك الانهيار. فالعديد من المنظمات الدولية دقت ناقوس الخطر بشأن اقتصاد يعتمد بالكامل على إيرادات النفط التي تمثل أكثر من 95 في المائة من الموارد الخارجية للجزائر. تقلصت احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد من 162.4 مليار يورو في 2014 إلى ما يقرب من 57 مليار يورو في أواخر 2019. وفي ظل هذا الوضع الرهيب، يفضل رئيس الجزائر قضية الصحراء على إنقاذ بلاده ورفاهية الجزائريين.
صحيح أن مؤسسات التمويل الدولية أصبحت متشددة فيما يخص الأموال التي تقرضها للدول الأعضاء، ولن تقبل أن تذهب تلك الأموال لتمويل الصناديق السوداء وتبديدها لتمويل البوليساريو وجماعات الضغط المعادية للمغرب من أجل المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية.
هذه الممارسة يعرفها الجميع في الجزائر. وعلى الرغم من أن قانون الصمت يفرض القادة الجزائريين في هذا الملف، فإن ذلك لم يمنع الأمين العام السابق لجبهة التحرير عمار السعداني من التصريح بأن الجزائر كانت تسكب المياه في الرمل بتمويل البوليساريو ومؤيديها. وأكد أن المبالغ الهائلة من الأموال التي تم إنفاقها منذ حوالي 50 سنة لتمويل البوليساريو كان يجب أن تستخدم لتنمية الجزائر ومدنها وتوجه بشكل خاص إلى الشباب. خاصة وأن زعماء جبهة البوليساريو، حسب قوله، يجولون العالم ويسكنون في قصور فاخرة مستفيدين من أموال الشعب الجزائري، مع العلم بأن قضيتهم خاسرة مقدما، لأن الصحراء كانت دائما "جزءا تاريخيا من المغرب" والذي بترها منه المستعمر.
يبقى أن نعرف كم شهرا إضافيا (حتى أن البعض يتحدث عن سنوات)، لن يتجاوز فيه سعر النفط عتبة 30 دولارا للبرميل وسنرى حينها أين سيجد تبون الأموال لتمويل سياسة الكراهية والحقد التي يقودها تجاه المغرب.
للتغلب على الأزمة المالية الحالية، التي تسبب الذعر في صفوف الجزائريين أكثر من كوفيد-19، يقدم تبون حلا ديماغوجيا يصعب تطبيقه. لإخراج البلاد من الطريق المسدود، يعتزم ألا يلجأ إلى التمويل التقليدي (المديونية) أو غير التقليدية (استحداث النقود)، ولكن فقط باللجوء إلى الاستدانة الداخلية من القطاع الخاص غير المهيكل.
ويقدر تبون أن القطاع غير المهيكل الجزائري يمثل "حوالي 6000 (42.57 مليار يورو) إلى 10000 مليار دينار (حوالي 71 مليار يورو) من الأموال لضخها وأنا أفضل الاقتراض من المواطنين الجزائريين على الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو بنوك أجنبية".
وحتى إذا تمكن من إقناع جزء من القطاع غير المهيكل الجزائري الذي يهرب من البنوك لحماية نفسه من فساد نظام الجنرالات، فإن هذا القطاع لن يقبل أبدا أن تذهب أمواله لتمويل قادة البوليساريو.
وينبغي على تبون أن يأخذ في الاعتبار أيضا أن الجزائريين لا يثقون في نظامهم الفاسد. والدليل على ذلك إن حملة التبرع التي أطلقتها الحكومة الجزائرية لتمويل صندوق مخصص لمحاربة كوفيد-19 جمعت مليون يورو فقط، وهو مبلغ بعيد جدا عن المليارات التي يحلم تبون بجمعها.