جبهة البوليساريو، كما نعلم، جعلت من المساعدات الإنسانية الدولية، وخاصة الإسبانية، أصلا تجاريا حقيقيا. تتذكرون أن المكتب الأوروبي لمحاربة الغش (OLAF) كان قد حذر بشكل واضح، في تقرير صادم صدر في عام 2015، من متاجرة الجبهة الانفصالية في المساعدات الإنسانية التي تقدم من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين، دون أن يستفيد السكان الصحراويون من تلك المساعدات الإنسانية المذكورة والتي غالبا ما يتم تحويلها من قبل القادة الانفصاليين بتواطؤ كبار الضباط الجزائريين.
غير أنه يبدو أن هذه المتاجرة المرفوضة أخلاقيا في المساعدات الإنسانية، من بينها حليب الرضع، والتي تباع في السوق السوداء في نواذيبو (موريتانيا) ونيامي (النيجر)، وحتى في الجزائر العاصمة، تضررت بشكل كبير من التحذيرات التي أطلقت بداية شهر دجنبر 2019 من قبل الاستخبارات الإسبانية بشأن "احتمال وقوع عمليات إرهابية" في مخيمات لحمادة-تندوف، وخاصة عمليات بسيارات مفخخة وعمليات اختطاف أوروبيين يعملون في مجال الإغاثة الإنسانية تقوم بها جماعات إرهابية وعلى رأسها التنظيم التابع لداعش "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" والذي يوجد على رأسه عدنان أبو وليد الصحراوي.
هذا على أي حال ما يستنتج من "الشكاوى" التي عبرت عنها قيادة البوليساريو، والتي نقلتها وسائل الإعلام الإسبانية. "لماذا الإبقاء على حالة التأهب بشأن احتمال وقوع هجمات إرهابية؟"، هكذا عنوت وسيلة إعلام إسبانية، متسائلة عن أسباب الإبقاء على هذه التحذيرات التي أكدتها رغم ذلك الأمم المتحدة وحتى مصالح الاستخبارات الجزائرية بعد شهرين من إطلاقها من قبل وزارة الخارجية الإسبانية.
"المشاريع التي تمولها المنظمات الدولية تتأثر بالقيود" المفروضة بسبب الإبقاء على حالة التأهب من احتمال وقوع عمليات إرهابية، هذا ما عبرت عنه بقلق "مصادر صحراوية" في اتصال مع موقع إخباري إسباني.
"من الضروري رفع هذه التحذيرات، لأنها غير حقيقية ولأن هناك تدابير أمنية كافية، سواء من قبل الجزائر أو الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، هذا ما حاولت تلك "المصادر الصحراوية" أن توهم به الموقع الإخباري الإسباني، معبرة عن أسفها لغياب "التزام إسباني من أجل حل النزاع" ولهذا "التخلي القاسي عن السكان الصحراويين" من قبل إسبانيا، التي اتهمت بالفشل في "مسؤولياتها الخاصة بالصحراء"!
من الواضح أن جبهة البوليساريو قلقة غاية القلق من تراجع الأرباح التي تجنيها من تجارتها في المساعدات الدولية على حساب الساكنة الصحراوية الفقيرة المحتجزة في المخيمات، وهي الأرباح التي تكدسها في حسابات بنكية في إسبانيا وسويسرا، هذا دون الحديث عن حسابات كبار ضباط الجيش الجزائري الذين اغتنوا بشكل كبير باسم "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير"!