إن إصدار هذا التقرير أمر طبيعي جدا، لكن عنوان هذه الوثيقة يثير اللبس ويقدم الأشياء كما ل وأن الأمر يتعلق بتقصير من جانب المغرب أ ونكثا بالتزاماته تجاه شريكه الأوروبي.
وبعيدا عن أن يشكك في جدوى الالتزام المالي للاتحاد الأوروبي تجاه المغرب، يصف التقرير المملكة ب"الجار الأكثر قربا من أوروبا " والشريك المهم " و"الشريك الاستراتيجي" في ميادين العمل الأساسية، والذي " يتمتع بمناخ سياسي مستقر".
ودعا إلى مراجعة تدبير المفوضية الأوروبية لمالية الاتحاد الأوروبي، ليس تجاه المغرب، ولكن بالأحرى إزاء اللجوء للدعم المالي بشكل عام.
فالتقرير إذن موجه للمفوضية الأوروبية، وينصب على منهجية عملها وآلياتها المالية. باختصار، إن الأمر يتعلق بشأن داخلي للاتحاد.
والأكثر من ذلك، كان المغرب قد استبق خلاصات محكمة مراجعة الحسابات. فقد طلب في عدة مناسبات من الاتحاد الأوروبي إعادة بناء آلياته المالية للتدخل وملاءمتها مع طموحات المملكة وتقوية نجاعتها، وذلك منذ إطلاق السياسة الأوروبية للجوار سنة 2003.
وصرح كاتب التقرير، هان وتاكولا، بشكل علني، أن "الدعم المالي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للمغرب لم يمكن، بشكل كاف، من دعم الإصلاحات بالبلاد". وهذا يؤكد الحقيقة التي توصل إليها المغرب نفسه، فيما يخص تواضع الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للمملكة وضرورة الرفع منه.
ويذكر أن الحاجة إلى مراجعة الآليات المالية، التي أقر بها الاتحاد الأوروبي نفسه، تم التعبير عنها بوضوح في إطار الإعلان السياسي المشترك المعتمد من قبل المغرب والاتحاد الأوروبي بمناسبة انعقاد الدورة ال14 لمجلس الشراكة.
وهذا التوجه يفسر جزئيا اختيار المغرب الانخراط في مسلسل تفكير عميق بشأن شراكاته مع الاتحاد الأوروبي كما يشهد على ذلك عقد خلوة الصخيرات في يوني و2019.
وبصرف النظر عن محتواه يعاب على هذا التقرير طابعه المتجاوز بحيث أنه يتناول الفترة التي قرر المغرب خلالها القيام بوقفة للتفكير حول علاقاته مع الاتحاد الأوربي، وذلك، على الخصوص، بسبب بعض الاختلالات التي أوردها التقرير اليوم. فالأمر يتعلق إذن بفترة عرفت نشاطا ضعيفا بل سكونا. وتقييم العلاقات خلال هذه الفترة، التي كانت عجفاء، يعتبر ضربا من ضروب الارتجال.
إن المدققين بمحكمة مراجعي الحسابات للاتحاد الأوربي، الذين طلب منهم إصدار تقرير قبل متم السنة التي توشك على الانتهاء، قرورا التركيز على أربعة قطاعات فقط من أصل 15 يجري تنفيذها حاليا.
وإلى جانب كون هذا التقرير جزئيا، فإنه متحيز فيما يتعلق ببعض المسائل المسماة ب"العرضية "، والتي ارتكز التقرير بخصوصها على مصدر وحيد (منظمة فريدوم هاوس)، المعروفة بأحكامها المسبقة وافتقارها للموضوعية تجاه المغرب.
وبالإضافة إلى هذه الاختزالات، يتناقض تقرير محكمة الحسابات مع الموقف الرسمي المعبر عنه من قبل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء التي تعتبر أن " الاستقرار السياسي والإصلاحات المتعددة التي قام بها المغرب تجعله شريكا أساسيا في المنطقة ".
وهو الموقف نفسه الذي كانت قد جددت تأكيده فيديريكا موغيريني، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، المكلف ة بالشؤون الخارجية، خلال الدورة ال14 لمجلس الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، عندما أكدت أنها عاينت بمناسبة زيارتها الأخيرة للمملكة " تطور الإصلاحات العميقة السوسيو- اقتصادية بالمغرب في سياق يسوده الاستقرار تحت قيادة ملكه، الملك محمد السادس الذي حظيت بفرصة وشرف الحديث معه.
و"قد مكنت 20 سنة من حكمه المغرب من تعميق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي مع الاضطلاع بدوره كاملا على الصعيد القاري الإفريقي، في الساحة المتعددة الأطراف، وطبعا الإقليمية، لاسيما شمال إفريقيا والعالم العربي ". فهذه هي الأسس الراسخة للعقيدة الأوروبية في علاقتها العميقة مع المغرب.
والمملكة، من جهتها، ملتزمة مع الاتحاد الأوروبي بحسن نية وتعتزم المضي قدما في هذه العلاقة الاستراتيجية على أساس الالتزامات التي تعهد بها الطرفان.
وقد اتفق الشريكان خلال مجلس الشراكة الأخير على إطلاق "الشراكة الأور و-مغربية للازدهار المشترك"، التي تمثل مرحلة جديدة في علاقتهما الاستراتيجية مع استشراف غذ أفضل في العلاقات المتميزة والتاريخية بين الطرفين.