البوليساريو التي استغلت ورقة حقوق الإنسان ضد المغرب، توجد اليوم في وسط إعصار إعلامي وحقوقي دولي.. فهذه الجبهة الانفصالية الخاضعة لأوامر الجزائر لم تتعرض قط لمثل هذا الانتقاد الذي تتعرض له منذ شهر يونيو الماضي، عندما قامت ميليشياتها المسلحة، بناء على تعليمات من أجهزة المخابرات العسكرية الجزائرية، باختطاف واحتجاز ثلاثة معارضين لجبهة البوليساريو.
ويتعلق الأمر بكل من مولاي أبا بوزيد وفاضل بريكة، العضوين بالحركة المنشقة "المبادرة الصحراوية من أجل التغيير" وبالناشط الشاب محمود زيدان، مؤسس "منتدى الشباب الصحراوي أجل الحل" والمعروف بانتقاداته اللاذعة لقيادة البوليساريو، كما يدل على ذلك تعاليقه التي كان ينشرها على صفحة الفايسبوك.
وأفضل دليل على انقلاب السحر على الساحر، هو هذه الانتقادات الشديدة اللهجة ضد جبهة "العار" التي وجهتها هيومان رايت ووتش من خلال البيان الذي أصدرته يوم 16 يوليوز الماضي.
ففي هذا البيان الناري، تحدثت المنظمة غير الحكومية الأمريكية عن حالة معتقلي الرأي الثلاثة سالفي الذكر وتضع، بالتالي، جبهة "الشر" أمام تناقضاتها الصارخة.
وعندما طلب من "ممثل البوليساريو بالأمم المتحدة" أن يوضح مؤخرا الاعتقالات التعسفية التي طالت ثلاثة معارضين، واستنطاقهم وهم "معصوبي العينين"!، هذا دون الحديث عن التعذيب الذي مورس عليهم من أجل انتزاع اعترافات مكتوبة منهم، واحتمال أن يسجنوا مدى الحياة، قدم المدعو سيدي محمد عمار رواية مناقضة تماما للرواية الرسمية التي عبر عنها أسياده بتندوف، عندما قال بأن من بين الاتهامات الموجهة للضحايا المحتجزين توجد تهمة "خيانة الأمة" (تحدث ممثل الجبهة الانفصالية عن "أمة"؟) و"أعمال معادية للدولة الصحراوية" (وعن أية "دولة صحراوية" يتحدث؟!)، عوض تهم مثل "القذف" و"التحريض على العصيان" التي تحدثت عنها ما يسمى "وزارة العدل" الوهمية.
هذه التناقضات الصارخة هي دفعت مؤخرا موقعا دعائيا مقربا من الجبهة الانفصالية إلى التعبير عن أسفه لـ"الغياب المثير للشفقة للتنسيق" بين قادة البوليساريو.
هذه الوضعية تؤكد التخبط الذي توجد فيه قيادة البوليساريو، التي لم تكن تتوقع يوما أن تكون في قلب زلزال سياسي إعلامي قوي، والذي وصلت ارتداداته إلى أمريكا الجنوبية، حيث سارع نائب برلماني مكسيكي، معروف مع ذلك بأنه "صديق الجمهورية الصحراوية" الوهمية، إلى انتقاد القيادة الانفصالية انتقادا لاذعا وتجاوزها من أجل التوجه بالخطاب مباشرة إلى الجزائر لكي يطالبها بإطلاق سراح معتقلي الرأي الثلاثة.
ولا يتوقف الأمر عن هذا الحد. بل إنه صدر بيان ناري عن "المجلس البيروفي للتضامن مع الشعب الصحراوي".
وفي هذا البيان الذي نشر بالجريدة البيروفية "لارازون" (العقل باللغة العربية)، ندد رئيس هذا المجلس، ريكاردو سانشيز سيرا، بشكل واضح "استبداد" قادة البوليساريو، مطالبا بالإطلاق "الفوري" لسراح معتقلي الرأي الثلاثة الذين يتعرضون "للمضايقات والترهيب، مثلما هو الحال بالنسبة لأقاربهم، من أجل توقيع اعترافات مكتوبة".
وذكر رئيس المجلس البيروفي بالبيان الأخير للمى فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايت ووتش بالإنابة، والذي طلبت فيه هذه الأخيرة من الحكومة الجزائرية "عدم السماح لآخرين بحماية حقوق الإنسان على أراضيها وبأن لا تغضي الطرف عن الخروقات التي ترتكبها البوليساريو"، محذرا من أي خروقات جديدة ترتكبها الجبهة الانفصالية بحق الضحايا "المتهمين جورا بارتكاب أفعال إجرامية" و"بالخيانة" والذين قد يواجهون "عقوبات شديدة قد تصل إلى الإعدام".