واستهل الخطيب خطبة الجمعة بالتذكير بأن شهر رمضان المعظم شهر لا تحصى بركاته ولا تعد فوائده ودروسه، ذلك أنه بحق وقت تعبئة روحانية متجددة، لأن الإنسان ينسى ويضعف، مشددا على الحاجة، كلما حل هذا الشهر الكريم، إلى التوقف عند معانيه الراقية، ومقاصده الروحية البانية.
وأكد أن شهر رمضان يأتي ليصلح ما في الأنفس، قبل الأجسام، ما قد يكون ضعف أو تضرر في الشهور الماضية، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر الغفران والصدقة والبر والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتضاعف فيه الحسنات، وتجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات.
وأضاف، أن جوهر الصيام ليس تعذيب الإنسان ولا حرمانه من الطيبات والملذات، وإنما كتبه الله تعالى على عباده ليكون لهم غرسا مثمرا، يعود عليهم نفعه في الدنيا والآخرة، مصداقا لقوله قوله صلى الله عليه وسلم : "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، مبرزا أنه بذلك يحصل الصائم على مرتبة التقوى التي هي من أهم مقاصد الصيام الكبرى، فالتقوى هي ثمرة العبادات كلها، فهي وقاية للعبد من الوقوع في المحرمات، ولذلك كانت منزلة التقوى هي المقصد الأسمى، والغاية الكبرى والهدف الأعلى للفرائض والواجبات، ولغيرها من السنن والمستحبات.
وأوضح الخطيب، أنه مع مضي شهر رمضان، وجب على المرء أن يحاسب نفسه "عن الأثر الطيب الذي تركه في سلوكنا وذلك من جهة الإمساك والابتعاد عن كل سلوك يترتب عنه الشر والفساد، والإضرار بالغير، الصوم غض للبصر، وصون للسمع، وضبط للسان، وتهذيب للنفس، وتطهير للبدن، وتغذية للروح" مشددا في هذا الصدد على أن الصوم إجمالا هو إقبال على الله تعالى بالطاعة والخضوع، ومناجاة له بالدعاء والخشوع، فمن لم يهذبه صيامه فكأنه ما صام، ومن لم يؤدبه قيامه فكأنه ما قام.
وأشار خطيب الجمعة إلى أنه في هذه الأجواء الإيمانية الربانية في هذا الشهر الفضيل خلدت الأمة أمس ذكرى وفاة المغفور له الملك محمد الخامس، بعد جهاد مرير ونضال مستميت، من أجل استعادة عزة شعبه وكرامته، بعد احتلال دام أكثر من أربعين سنة. حيث كان في طليعة النضال، وفي مقدمة الوطنيين المخلصين المجاهدين، يعضده ويساعده وارث سره المغفور له الملك الحسن الثاني.
وأضاف أن الله أكرم الأمة المغربية في تلك الفترة الحرجة من تاريخها بملك تقي، مجاهد، مومن، مخلص، تحدى كيد الأعادي وجبروتهم بصبره وثباته، حتى كان النصر حليفه.
ولما لبى الملك المحرر داعي ربه، يضيف الخطيب، أكمل المغفور له الحسن الثاني مسيرة التحرير، ووحد الوطن، ثم تسلم الأمانة بعده ولي عهده، صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله، الذي بايعته الأمة بيعة الرضوان، فسار على سنن الأماجد الأولين، يرسخ الأسس، ويوطد البناء في كل مجال، وينشئ المشاريع تلو الأخرى، كما جعل من أولياته محاربة الفقر والإقصاء والتهميش.
وفي الختام، رفع الخطيب أكف الضراعة للباري عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصرا عزيزا ويحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، ويقر عين جلالته بولي عهده الأمير مولاي الحسن، ويشد أزره بشقيقه الأمير مولاي رشيد، وأن يحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.
كما تضرع إليه، جل جلاله، بأن يتغمد بواسع مغفرته ورحمته ورضوانه الملكين المجاهدين محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.