ويعود آخر اتفاق بين المركزيات النقابية والحكومة إلى 26 أبريل 2011، وهو الاتفاق نفسه الذي ظل الوفاء ببعض مقتضياته وإلى وقت قريب من بين أسباب توتر العلاقة بين الفرقاء الاجتماعيين.
وتوصل أطراف الاتفاق، بعد جولات مارطونية ومخاض عسير إلى اتفاق اجتماعي يتضمن العديد من الإجراءات والتدابير المتعلقة بالأساس إلى تعزيز الحماية الاجتماعية، وتحسين مجال التشريع والحريات النقابية، ومأسسة الحوار الاجتماعي، والعمل على وضع ميثاق اجتماعي يحقق التماسك والسلم الاجتماعيين، علاوة على الرفع من القدرة الشرائية للموظفين والأجراء، عبر الزيادة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.
كما نص الاتفاق ثلاثي الأطراف، الذي وقعه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مع رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب صلاح الدين مزوار، وكل من الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل الميلودي موخاريق، والكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب النعم ميارة، والكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب عبد الإله الحلوطي، وذلك بصفتها من بين المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، على مواصلة الحوار في العديد من القضايا والملفات الأخرى.
ولعل اتساع رقعة الإضرابات وتصاعد الاحتجاجات التي تعرفها العديد من مناطق المملكة وما رافقها من اهتزازات في مجال السلم الاجتماعي جراء جمود الأجور شكل ضغطا على الفرقاء الاجتماعيين. فالحكومة شعرت بضرورة تنفيس الأجواء المحتقنة خصوصا مع تواتر التعبيرات الاحتجاجية المنددة بالوضعية الاجتماعية، فيما سعت النقابات إلى تحقيق مكاسب اجتماعية لضمان تموقعها كحامل للمطالب الاجتماعية ووسيط اجتماعي تقليدي بين الدولة والطبقة العاملة، خصوصا مع بروز أشكال تمثيلية منافسة في العديد من الملفات العالقة.
وقد أضحى التوصل إلى اتفاق اجتماعي مرتقبا بشكل أكبر، بعد أن دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد الماضي، الحكومة إلى اعتماد الحوار الاجتماعي "بشكل غير منقطع"، مؤكدا أن الشأن الاجتماعي يحظى عند جلالته باهتمام وانشغال بالغين، "كملك وكإنسان".
وقال جلالته "هنا أقول للحكومة بأن الحوار الاجتماعي واجب ولابد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع. وعليها أن تجتمع بالنقابات، وتتواصل معها بانتظام، بغض النظر عن ما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج". كما حث جلالة الملك مختلف الفرقاء الاجتماعيين، على استحضار المصلحة العليا، والتحلي بروح المسؤولية والتوافق، قصد بلورة ميثاق اجتماعي متوازن ومستدام، بما يضمن تنافسية المقاولة، ويدعم القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة، بالقطاعين العام والخاص.
وجاء التوقيع على الاتفاق الاجتماعي كتتويج لجولات متعثرة من الحوار الاجتماعي بين الفرقاء الاجتماعيين اتسمت بالتوتر والتصعيد والشد والجذب حول نقاط خلافية، كان أبرزها حجم الزيادة في الأجور والمعنيين بها، حيث رفضت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية العرض الذي تقدمت به الحكومة عشية فاتح ماي 2018، واصفة إياه بـ"الهزيل الذي لا يرقى إلى انتظارات الطبقة الشغيلة".
وكان العرض الذي قدمته الحكومة برئاسة سعد الدين العثماني في نهاية أبريل 2018، قد هم غلافا ماليا بقيمة 6 مليار درهم لتمويل عدد من التدابير، ومنها الزيادة في أجور فئة من الموظفين، غير أن هذه الإجراءات قوبلت بالرفض القاطع من قبل النقابات التي طالبت بزيادة شاملة في الأجور.
ويتوقع أن ينعكس التوصل إلى هذا الاتفاق ثلاثي الأطراف، الذي يمتد على ثلاث سنوات (2019-2021)، إيجابا على الحوارات القطاعية وخصوصا على حالة التعثر التي يعرفه الحوار بخصوص عدد من الملفات خاصة في قطاعي التعليم والصحة.
وقد عبر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن هذا الأمل عندما ربط، وهو يتحدث في بداية مراسم التوقيع على هذا الاتفاق، بين هذا الأخير وإرساء شراكة بناءة قائمة على قواعد التشاور المستمر خدمة لمصالح البلاد، وتعزيزا لاستقرارها السياسي والاجتماعي.
يذكر أنه تم إرساء الحوار الاجتماعي منذ غشت 1996، على ضوء إعلان مشترك بين الحكومة والمركزيات النقابات والباطرونا، وضع قواعد محددة للمفاوضات، بمعدل دورتين في العام (أبريل وشتنبر)، مما أسفر عن إبرام أربعة اتفاقات (1996 و2000 و2003 و2011).