رسميا كل شيء على ما يرام. ولكن هناك حقيقة أزمة بين المغرب والمملكة العربية السعودية. الخبر الذي ورد صباح اليوم الجمعة هو أن المغرب استدعى سفيره المعتمد بالعربية السعودية من أجل التشاور. وقد أكد السفير مصطفى المنصوري نفسه هذا الخبر في تصريح حصري لـLe360، في حين أن وزارتا الخارجية بكلا البلدين التزمتا الصمت لحد الساعة حول الموضوع.
هذا الاستدعاء هو نتيجة لفترة طويلة من سوء الفهم بين البلدين، تخللتها عدد من التصريحات والتصرفات الاستفزازية من قبل الرياض منذ تولى ولي العهد محمد بن سلمان زمام الأمور بالمملكة الوهابية.
وكان أخر هذه التصرفات الاستفزازية، بث قناة "العربية"، وهي جهاز تابع للحكام في السعودية، بداية هذا الشهر لروبورتاج حول "الصحراء الغربية"، بالرغم من أنه موثق بشكل سيء للغاية. في هذا البرنامج، لم تشكك قناة "العربية" فقط في مغربية الصحراء، بل إنها قدمت البوليساريو وكأنها هي "الممثل الوحيد" لما يسمى بالشعب الصحراوي، لدرجة أنها تناقض الموقف الرسمي للعربية السعودية التي تدعم، علنيا، الوحدة الترابية للمغرب.
وبالرغم من ذلك، فليس هذا الروبورتاج هو الذي أفاض الكأس، بل إن العلاقة بين البلدين "الشقيقين" اللذين تربطهما علاقات روحية وتعاون قوي في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، شهدت تدهورا مع توالي الأزمات.
فيبدو أن الرياض لم تستسغ انسحاب القوات المسلحة المغربية من التحالف العسكري، الذي تقوده السعودية في اليمن. فالمغرب انخرط منذ 2015 إلى جانب العربية السعودية في هذه الحرب "من أجل الحفاظ على الشرعية" ومواجهة المتمردين الحوثيين. وكانت السلطات المغربية قد عبرت عن تقديمها لكل أشكال الدعم (السياسي، الاستخباراتي والعسكري) للمملكة العربية السعودية.
غير أن المغرب قرر في شهر أبريل وبتكتم الانسحاب من هذه الحرب التي خلفت أسوء المآسي الإنسانية في عصرنا الحالي. وهكذا سحب المغرب طائراته الحربية F16 من الحرب. وكانت واحدة من هذه الطائرات قد تحطمت باليمن وقتل قائدها.
كما أن الحياد الذي اتخذه المغرب حيال الأزمة بين العربية السعودية وقطر لم يرق للرياض. ففي شهر يونيو 2018، وصلت الأزمة بين الدوحة والرياض وحلفائها من دول الخليج ذروتها. وفي الوقت الذي ساندت فيه دول مثل مصر بشكل واضح العربية السعودية وحلفائها، فضل المغرب الإبقاء على نفس المسافة من أطراف الأزمة. بل إن الرباط عبرت بكل وضوح عن "استعدادها لبذل مساع حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل" من أجل "تجاوز هذه الأزمة وحل بشكل نهائي الأسباب التي أدت إليها".
إلا أن ردود الفعل السعودية على هذه القرارات السيادية المغربية تعددت مع مرور الوقت وتزداد أكثر وضوحا.
والأمثلة على هذه الردود كثيرة. ففي الوقت الذي كان المغرب يعتمد على حلفائه من أجل الدفاع عن ملف ترشحه لتنظيم كأس العام 2026، هذا البلد "الشقيق" الذي هو العربية السعودية لم يتورع عن توجيه طعن في ظهره. والأمر من ذلك قامت العربية السعودية بالدفاع عن الملف الأمريكي بحماس منقطع النظير. ولا يمكن وصف هذا التصرف إلا بوصف الخيانة.
هناك مثال أخر على هذه الردود. في كل صيف وكالعادة، كان قصر الملك سلمان الفخم في طنجة يمتلئ دائماً. كانت وجهته المفضلة لقضاء العطلة الصيفية وكانت أيضاً نقطة التقاء العديد من رؤساء الدول والمسؤولين الكبار من أجل إجراء محادثات خاصة مع العاهل السعودي. ولكن في صيف عام 2018، ظل القصر فارغا، وتم إلغاء عطلات العائلة الحاكمة السعودية في المغرب.
في شهري نونبر ودجنبر الماضيين، بعد قضية جمال خاشقجي التي أثارت ضجة في العالم بأسره، قرر محمد بن سلمان زيارة العديد من الدول لتلميع صورة المملكة التي شوهت منذ مقتل الصحفي السعودي في تركيا. في هذه الرحلة، زار مصر وتونس والجزائر وموريتانيا، أي جميع الدول التي توجد بجوارنا المباشر، واستثنى المغرب الذي لم يكن ليؤيد ولي العهد السعودي في هذا الملف المقزز. قد ارتاح الرأي العام المغربي إلى حد كبير لهذا الأمر، حيث أن تنقلات ولي العهد السعودي كانت محط انتقادات في كل مكان يحل به.
هناك واقعة لا تقل أهمية عما سبق ذكره. ففي 16 دجنبر 2018، خلال عملية سحب قرعة كأس الأندية العربية للبطولة التي يشارك فيها الرجاء البيضاوي، نشر الاتحاد السعودي لكرة القدم خريطة المغرب مبتورة من صحرائه. غير أن الاتحاد تراجع في آخر المطاف وسحب الخريطة.
كما لا يستبعد أن تتراجع العربية، بعد بثها لهذا الفيلم الوثائقي المنحاز، وتشكك في الوحدة الترابية للمملكة المغربية. ولكن في كلتا الحالتين، فإن الضرر قد تم بالفعل، واستدعاء الرباط لسفيره في الرياض هو، في الواقع، طريقة لإثارة الانتباه لهذه التجاوزات.
قد يقال بأن هذا الفتور في العلاقات بين البلدين هو عابر. وقد صرح لنا مصطفى المنصوري أن "العلاقات بين المغرب والعربية السعودية هي علاقات تاريخية وراسخة. وبين البلدين، من الطبيعي أن تظهر بين الحين والآخر خلافات. وأنا على يقين بأن الأمر لا يتعلق إلا بأزمة عابرة وبأن مياه العلاقات بين البلدين ستعود مجراها الطبيعي". و"إذا كانت الرباط لن تعلن رسميا عن هذا الاستدعاء، فإن ذلك يعكس إرادتها في عدم التصعيد"، يؤكد ملاحظ مطلع. ومع ذلك، يتعين على العربية السعودية أن تعي مغزى هذه الرسالة الضمنية، التي يتوخى من ورائها المغرب وضع حد لسلسلة من التجاوزات.
وفي هذا الباب، فالشك يبقى سيد الموقف. فنظام ولي العهد محمد بن سلمان يتميز بخرجاته ورود فعله الغريبة. إن قضية خاشقجي الصحفي المعارض الذي قتل بتركيا والتي ثبتت فيها مسؤولية السلطة في الرياض، هي مثال حي على ذلك.
والنتيجة هي أن صورته على المستوى الدولي أصبحت سلبية وهو الذي قدم في البداية على أنه "مصلح" و"عصري". فـ"دافوس الصحراء" الذي نظم محمد بن سلمان من أجل الترويج لهذه الصورة الجديدة وجلب رجال الأعمال وبالتالي الاستثمارات للعربية السعودية فشل فشلا ذريعا. وحتى داخل السعودية، أصبح ولي العهد يتعرض أكثر فأكثر للانتقاد. وقد أشار مقال نشر في شهر فبراير لصحيفة وول ستريت جورنال اليومية الصادرة في نيويورك، إلى هذا الأمر.
وهناك محاولات داخل العائلة الحاكمة نفسها من أجل وقف "اندفاع" محمد بن سلمان. والنتيجة أن كل المشاريع المندرجة في إطار "رؤية 2030" هي تقريبا معطلة. ولا يزال الاكتتاب العام في شركة النفط العملاقة أرامكو معلقا بالرغم من أنه أعلن عن ذلك منذ عام 2016. ومن المؤكد أن التأخير المعلن في طرح في السوق نسبة 5٪ من شركة أرامكو سيُختنق في المهد، وفي النهاية، سيُلغى المشروع، كما تشير إلى ذلك، بحق، صحيفة وول ستريت جورنال.
خيبة أخرى لولي العهد السعودي. ويتعلق الأمر بمشروع بناء "أكبر مركز لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم" الذي خصص له استثمار 200 مليون دولار. هذا المشروع هو الآخر فشل.
والخلاصة أن سياسة الفرجة التي اتبعها ولي العهد محمد بن سلمان لم تعد تجدي... أما المعارضة لطريقة تدبيره لشؤون البلاد فأصبحت أكثر تنظيما داخل العربية السعودية.