وفي ما يلي نص الخطاب الذي ألقته صاحبة الأميرة للا حسناء بهذه المناسبة:
" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
معالي السيدة جوديت غيشون، نائبة حاكم كولومبيا البريطانية (ممثلة الملكة بفانكوفر)
السيد ماريو سالومون، الأمين العام لشبكة المؤتمر WEEC
الدكتور ديفيد زاندفليت، مدير معهد التعلم البيئي بجامعة سيمون فيرزر بفانكوفر
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي في بادئ الأمر أن أتقدم بخالص عبارات الشكر والامتنان للمشرفين على تنظيم الدورة التاسعة للمؤتمر العالمي للتربية البيئية على دعوتهم الكريمة لي كي أتحدث إليكم خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
وإني لا أزال أحتفظ في ذاكرتي بما ميز أشغال دورة 2013 للمؤتمر العالمي للتربية البيئية بمراكش من روح بناءة، تملؤها الرغبة الصادقة في تقاسم الأفكار والخبرات، في جو من الوئام والمودة والانفتاح.
وأنا علي يقين أن الدورة الحالية التي تنعقد بفانكوفر، المدينة النموذجية في مجال التنمية المستدامة، ستسودها نفس الاجواء الايجابية.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
لقد التزمت المملكة المغربية مبكرا بمبادئ إعلان ريو، وأجندة 21، والاتفاقات متعددة الأطراف ذات الصلة بقضايا البيئة، إيمانا منها بالترابط الوثيق بين السعي إلى تحقيق نمو اقتصادي وتنمية اجتماعية وسياسية إرادية للحفاظ على البيئة.
ويعد المغرب فاعلا دوليا يسعى إلى العمل بكل عزم و بروح تضامنية تجاه الدول الأكثر عرضة للمخاطر البيئية.
على سبيل المثال، وبتوليها رئاسة الدورة 22 لمؤتمر الاطراف في اتفاقية الامم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ، حرصت المملكة المغربية على أن لايكون هذا اللقاء مخصصا للتفاوض فقط، بل أن يشكل فرصة كذلك لتوجيه الجهود نحو العمل الملموس.
لذلك، فقد تم في مراكش إطلاق عدد من المبادرات ذات الصلة بقضايا التكيف مع التغيرات المناخية ومقاومتها، وجهت خصيصا لفائدة إفريقيا والدول الجزرية الصغرى.
وعلى الصعيد الوطني، انخرطت المملكة تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس بكل عزم في مسلسل يهدف الى إدماج البعد البيئي في السياسات والبرامج ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد كرس الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011 حق العيش في بيئة سليمة والاستفادة من تنمية مستدامة، كما تم سنة 2014 إصدار قانون إطار متعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة.
وقد تم مؤخرا اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في أفق 2013، وهو أمر سيساعد على تحقيق السياسات العمومية ذات الصلة والانتقال إلى اقتصاد أخضر تضامني و إدماجي.
لقد شكل تعزيز الثقافة القائمة على التنمية المستدامة إحدى الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجية.
كما تمثل التربية أداة فعالة للحد من المخاطر و تقليص التهديدات وكذا للاستفادة من الفرص المتاحة.
لذا فعلى الجميع تعلم، أو إعادة تعلم، السلوكات الاساسية التي من شأنها أن تفضي إلى توفير الموارد والحفاظ على الطبيعة وعلى التنوع البيولوجي، إضافة إلى الدفع بالتنمية التضامنية.
وقد كانت أولى المبادرات الملموسة التي قام بها المغرب في هذا المجال، وضع دليل تربوي رهن إشارة المشرفين على إعداد البرامج الدراسية بهدف تحديد المعارف التي يلزم اكتسابها في مختلف المستويات التربوية.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إن مهمة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة تمثلت منذ إنشائها في النهوض بعمليات التحسيس بقضايا البيئة و بالتربية البيئية، لاسيما داخل الفضاء المدرسي. ولكن ماهو السبيل إلى الدفع بالأطفال إلى اكتساب ذلكم الوعي البيئي؟ وكيف يمكن تغيير رؤيتهم تجاه العالم الذي يعيشون فيه؟ وماهو السبيل لجعل الاجيال الصاعدة تمتلك قيم المواطنة المتشبعة بالحس البيئي؟ تلكم أهم التساؤلات التي كان لزاما على المؤسسة تقديم إجابات ملائمة ووجيهة لها.
وتحقيقا لهذا الهدف، اتبعنا بمعية باقي أعضاء مجلس إدارة المؤسسة منهجية قائمة على دعامتين: الأولى هي الجمع بين التربية والعمل الميداني، والثانية هي تصميم أنشطتنا وفق الاختبار الميداني وتبني مبدإ القرب والتنويع والشراكة.
وفي هذا الصدد، تم القيام بإطلاق مشاريع رائدة و متنوعة من حيث الأهداف المسطرة لها على امتداد التراب الوطني. وسواء تعلق الأمر بنظافة الشواطئ أو جودة الهواء أو تأهيل الحدائق التاريخية، فإن هذه المشاريع تميزت دوما بأثرها المباشر على حياة السكان المستهدفين.
أما ما يتعلق بالشراكة من أجل إنجاز المشاريع، فهو يتمحور حول الاشراك الممنهج لكافة الأطراف المعنية والاتفاق القبلي معها بشأن الالتزامات الخاصة بكل طرف والطرق الواجب اتباعها لتسيير المشاريع المدرجة في إطار الشراكة.
وهنا بالتحديد يتجلى غالبا الدور الحاسم للمؤسسة، حيث كان لها الفضل في الدفع ببعض الفاعلين الذين كانت لهم معرفة ضئيلة أو غير واضحة ببعضهم البعض، من جماعات محلية ومصالح لا ممركزة، ومقاولات وجمعيات وجامعات، الى العمل المشترك، بما يسهم في الحفاظ على البيئة، بل وحثهم بالخصوص، على إضافاء طابع الاستمرارية على أنشطتهم الميدانية.
وقد التحق بالشركاء الذين كانوا حصريا محليين في البداية، منظمات أجنبية غير حكومية ومؤسسات دولية كاليونسكو والإسيسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وغيرها.
وقد كان لهذه الشراكات أثر مباشر، تجلى في تمكين التلاميذ المغاربة من الانفتاح البناء على العالم واستخلاص الدروس والعبر من فرص التبادل والتعاون المتاحة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
منذ أن أنيطت بي مسؤولية الإشراف على مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، وأنا تحدوني رغبة أكيدة في أن تتكتل جهود كافة الفاعلين المعنيين مع توالي المشاريع والبرامج.
كما أني أحرص على أن يتملك الجميع هذه المشاريع والبرامج بإرادة راسخة وروح المسؤولية. وغالبا ما يكون الحماس حاضرا بقوة في العمل المنجز.
إن الرهان الذي أود كسبه في المستقبل، هو أن تتمكن المؤسسة بفضل حرصها الدائم على تعلم المزيد، من تجديد وملائمة تدخلها بما يتماشى مع تطور الرهانات والتحديات المطروحة، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة التي ينشدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمملكة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إذا كانت الأرض توفر القوت للجسد، أليست الثقافة غذاء للعقل؟ إن الحالة الصحية لكوكبنا لا يمكن تناولها بمعزل عن التربية التي يجب أن تشكل، لا محالة، أحد المقومات الأساسية لكل استراتيجية تسعى الى تحقيق التنمية المستدامة، فتكون بذلك وسيلة وهدفا في نفس الآن.
وإذا كان هذا اللقاء قد اختار تناول موضوع الثقافة والبيئة فإن في ذلك تأكيد على أن الثقافة، بصفتها مؤتمنة على القيم والمعرفة، تشكل عنصرا أساسيا لبلوغ التنمية. ومن هذا المنطلق، تكون الثقافة البيئية امتدادا للتربية البيئية ومكملة لها.
فعلى غرار ما يعرفه التنوع البيولوجي من حماية، فإن التنوع الثقافي يجب أن ينال قدره من الأهمية، إذ أنه يمثل شرطا من شروط التنمية المستدامة.
إن الثقافة لا توفر أرضية لنسج الأواصر فقط، بل إنها تمثل دعامة لبناء الجسور وتعزيز الحوار بين الثقافات وبين الأجيال. ذلكم ما نحتاجه لكي نرقى الى مستوى الرهانات التي تواجه كوكبنا.
إن بلدي المغرب، أرض التعايش والحوار على مر العصور، سيظل ملتزما وفي الصفوف الأمامية لهذا النهج التضامني الدولي.
أشكركم على حسن الإصغاء وأرجو العلي القدير أن يكلل أشغالنا بكامل التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".