كانت لفرنسا خلال ولايات العديد من الرؤساء الذين مروا من قصر الإليزيه، علاقات تتراوح بين الجيدة والعادية مع المملكة المغربية.
وشهدت العلاقة بين البلدين خلال فترة رئاسة فرانسوا هولاند، مشاكل سياسية ودبلوماسية، أولها اختيار هذا الأخير زيارة الجزائر كأول بلد أجنبي بعد تنصيبه عام 2012، ثم محاولة استدعاء عبد اللطيف الحموشي، مدير إدارة مراقبة التراب الوطني، على خلفية اتهامات له بوقائع ترتبط بالتعذيب، بالإضافة إلى التصريحات المستفزة التي صدرت عن السفير الفرنسي في الأمم المتحدة.
وهو ما أسفر عن توتر غير مسبوق للعلاقات بين البلدين وصلت حد تعليق المغرب لاتفاقيات التعاون القضائي التي تربطه بفرنسا عام 2014. فكيف ستكون العلاقات الثنائية في عهد ماكرون الذي يقدم نفسه بأنه "لا من اليمين ولا من اليسار"؟
برأي محمد بودن، رئيس مركز "أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية"، فإن فوز ماكرون قد يكون قوة دفع جديدة للعلاقات الفرنسية المغربية، خصوصا أن الملك محمد السادس كان أول القادة المهنئين للرئيس المنتخب، ببرقية ذات مضمون دال يوازي قيمة العلاقات الثنائية ومستوى التنسيق والشراكة بين البلدين.
ويعتقد بودن أنه ولو ليست هناك تقاليد في العلاقات المغربية الفرنسية خارج الحزبين التقليديين، إلا أن العلاقات قد تشهد تفاعلات جديدة بأدوات متجددة وفقا لالتزامات البلدين ورصيد العلاقات الاستراتيجية، خصوصا بعد تحديد ماكرون للمغرب كأول وجهة له بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في حوار صحفي مع الأسبوعية الدولية "جون أفريك"، وهذه إشارة مهمة جدا وتحظى بنقاش عميق على مستوى الإعلام الجزائري الذي يحاول أن يضع المغرب والجزائر في سلم التفضيلات الفرنسية ليخلص إلى أن وزن المغرب الإقليمي أصبح مؤثرا.
وأردف المتحدث في تصريح لـ Le360 أن تواجد الملك في فرنسا تزامنا مع إجراء الانتخابات الفرنسية، معطى له رمزية دالة، خصوصا أنه قام بأنشطة مع الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، وهي إشارة مقروءة بعناية من الرئيس الجديد، بل أكثر من هذا تم إجراء مكالمة هاتفية بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي المنتخب ماكرون، وهي محادثة هاتفية تتجاوز معطيات المجاملات، وترمي لإعطاء قوة دفع أساسية للعلاقات الثنائية وتعزيز الثقة المتينة والشراكة الاستراتيجية في ظل التقييم الإيجابي للأداء العام للعلاقات.
وخلص محمد بودن إلى واقع أن الخلفية البراغماتية لماكرون ستؤسس لقاعدة تلاقي للمصالح مع المغرب، في ظل الإدراك المؤكد لأهمية المغرب الجيوستراتيجية ودوره المركزي في محيطه الإقليمي.
وعن سياسة "جمهورية ماكرون"، قال إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض، إن ماكرون أصبح رئيسا لفرنسا بناء على برنامج، وهذا البرنامج بطبيعة الحال كانت له مواقف جيدة فيما يتعلق بمجموعة من القضايا التي تعني المغرب، كما هو الشأن بالنسبة لقضايا المهاجرين بالنظر إلى تواجد فئة هامة من المغاربة المقيمين في فرنسا.
من ناحية أخرى، أكد المتحدث ذاته في تصريح لموقع Le360، أن السياسة الخارجية للدول لا ترتبط بهذا الشخص أو ذاك، لأن دائما ما هناك ثوابت ومحددات، رغم كون رؤساء الدول يحظون بأدوار وازنة على مستوى صناعة القرارات الخارجية في أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلا أن هذه الثوابت تبقى رهينة مجموعة من الحسابات والمصالح التي تتحكم فيها.
وأبرز لكريني في نفس السياق أن العلاقات المغربية الفرنسية تبقى وطيدة واستراتيجية وتاريخية، تترجمها الكثير من الاتفاقيات على عدة مستويات (الاقتصادي، والأمني والاجتماعي)، مشددا على أنه لا يمكننا أن نتحدث عن تراجعات بقدر ما يمكن أن نتحدث عن تطوير لهذه العلاقات في المستقبل، خصوصا أن هناك الكثير من الإشكالات التي يمكن التنسيق بصددها بين الجانبين.
واعتبر لكريني، أن المغرب أبدى مؤشرات إيجابية عقب فوز ماكرون، منها مسارعة الملك محمد السادس إلى تهنئة الرئيس الفرنسي الجديد، وتأكيده على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وإعرابه في هذا الصدد عزمه على العمل مع الرئيس الفرنسي المنتخب من أجل المضي قدما.