أكيد أن اختيار الموضوع ليس بريئا، فما هي الرسالة التي أرادت وزارة الأوقاف إيصالها عبر موضوع الخطبة؟ أهي رسائل مبطنة إلى المجلس العلمي بهدف الحذر أكثر في موضوع الفتاوي، وبالأخص في موضوع شائك كموضوع "حد الردة"؟بالعودة بضع أيام إلى الوراء، نستحضر كيف أصدر المجلس العلمي كتابا يضم ردا على مختلف التساؤلات التي وصلته خلال الأربع سنوات الأخيرة، ومن بينها سؤال من مندوبية وزارية حول حقوق الإنسان تستفسر فيه الرأي الشرعي حول عقوبة المرتد عن دين الإسلام.في البدئ، اكتفت الصحافة بالتسريبات التي خرجت تتحدث عن موضوع فتوى خطيرة أصدرها المجلس العلمي، لكن المفاجأة ستكون كبيرة عندما ستكتشف أن هذه الفتوى مدونة في كتاب خاص، ما يعني أنها كتبت وطبعت عن قناعة وتروي.وظهرت الأصوات المعارضة، واصفة الفتوى بالخطيرة، لكن المفاجأة هي أن يأتي الرد يومان بعدها، ومن خطيب مسجد يمثل بدوره "الإسلام الرسمي" للمملكة.الأمر يستدعي طرح أسئلة حول ما الذي جعل المجلس العلمي في الأصل يصر على إخراج فتاويه مكتوبة؟ ثم بعد أن خرجت إلى الوجود، ما السبب الذي جعل محمد يسف المُنصب على رأس المجلس يمتنع عن الإدلاء بالتصاريح، لتقديم مزيد من التوضيحات حول الفتوى؟خطيب مسجد آسفي قال بالحرف "إن لحرية الاعتقاد في الإسلام مكانة كبيرة ومتميزة، إذ هي أصل الحريات، بل إن الاسلام لا يقف عند مجرد إقرار هذه الحرية فحسب، بل نفى أن يكون في هذا الدين أي إكراه للدخول فيه ...٬وأن الإنسان يعتنق ويعتقد ما يريد عبر التفكير والتأمل بإرادة كاملة، وعقل واع دون أدنى إكراه".و أشار الخطيب أيضا في هذا السياق "إلى أن ما ينبغي التنبيه عليه هو أن إمارة المؤمنين هي التي لها وحدها أن تضبط بالقانون شروط ممارسة تلك الحرية، حتى لا تتخذ الحرية ذريعة للتشويش على الأمة، أو النيل من كرامتها كأمة، لأن للأمة حرمة تتعدى اعتبارات الأفراد".وبين الفقرتين، رسائل تتعدى الوعظ الديني وتكرار الآيات القرآنية المعروفة، بل هي خطبة فيها الشيء الكثير من السياسة، هي بمثابة إعادة تذكير أن الشأن الديني كما نص عليه الدستور موكل ضبطه حصريا لأمير المؤمنين، وفيها جواب صريح للمجلس العلمي، مفاده أن الفتوى أمر خطير، سيما في موضوع "حد الردة"، وبه وجب على المجلس العلمي ألا يخوض في مواضيع قد تثير القلاقل داخل المجتمع.
معاد كنينيس