ونقلت الصحيفة عن صديق مقرب من العائلة، إلى جانب مصادر في كل من روسيا وسوريا، إضافة إلى بيانات مسربة، أن الأسد عاد إلى مقاعد الدراسة بعد تخليه عن السلطة، حيث يتلقى دروسا في طب العيون، مضيفة أن آخر رئيس لنظام بعثي في الشرق الأوسط بات اليوم طالبا يكرس وقته للدراسة.
وأوضح صديق للعائلة لا يزال على تواصل معها أن الأسد يعمل حاليا على تعلم اللغة الروسية وتعزيز معارفه في اختصاص طب العيون، واصفا ذلك بأنه «شغف قديم لديه». وأشار إلى أن الأسد لا يعاني من أي ضغوط مادية، مضيفا أنه كان يمارس طب العيون بشكل منتظم في دمشق حتى قبل اندلاع الحرب.
حياة شديدة الهدوء
ونقلت صحيفة" الغارديان" عن مصدرين مطلعين أن عائلة الأسد يرجح أنها تقيم في منطقة روبليوفكا الراقية غرب موسكو، وهي مجمع سكني مغلق تقطنه نخبة المجتمع الروسي، ويعتقد أن من بين قاطنيه أيضا الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي فر من كييف عام 2014 واستقر في المنطقة ذاتها.
وبحسب التقرير لا تعاني عائلة الأسد من أي ضائقة مالية. فعلى الرغم من العقوبات الغربية التي فرضت عليها عام 2011 على خلفية القمع العنيف للاحتجاجات في سوريا، والتي أوقفت وصولها إلى جزء كبير من النظام المالي العالمي، إلا أنها نجحت في تحويل جزء كبير من ثروتها إلى موسكو، بعيدا عن متناول الجهات الرقابية الغربية.
ونقلت «الغارديان» عن صديق مقرب من العائلة قوله إن «الحياة شديدة الهدوء»، مضيفا أن الأسد «يكاد لا يكون له أي تواصل مع العالم الخارجي»، إذ يقتصر تواصله على دائرة ضيقة جدا من الأشخاص الذين رافقوه سابقا في القصر الرئاسي، من بينهم منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية السابق، ويسار إبراهيم، أحد أبرز أذرعه الاقتصادية.
الأسد أصبح «بلا أهمية» لدى بوتين
ورغم مستوى الرفاه الذي تعيشه العائلة، تشير الصحيفة إلى أنها باتت معزولة إلى حد كبير عن الدوائر السياسية والاقتصادية السورية والروسية التي كانت جزءا منها في السابق، مضيفة أن فرار بشار الأسد في اللحظات الأخيرة من سوريا خلف شعورا بالخذلان لدى مقربين منه، في وقت تفرض فيه الجهات الروسية المشرفة على إقامته قيودا على تواصله مع كبار مسؤولي النظام السابق.
وبحسب مصدر مقرب من الكرملين، بات بشار الأسد إلى حد كبير «شخصا غير ذي أهمية» بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والنخبة السياسية في موسكو.
وأضاف المصدر ذاته أن بوتين «لا يتسامح مع القادة الذين يفقدون قبضتهم على السلطة»، مؤكدا أن الأسد لم يعد ينظر إليه كشخصية مؤثرة، ولا حتى كضيف يحظى بالاهتمام أو يدعى إلى المناسبات الخاصة.
هروب بشار وترك عائلته عالقة في سوريا
وأشار التقرير إلى أنه عند اقتراب فصائل المعارضة، بقيادة أحمد الشرع، من العاصمة دمشق، فر الأسد برفقة أبنائه دون أن يحذر أفراد عائلته أو حلفاءه المقربين داخل النظام من الانهيار الوشيك، تاركا إياهم يواجهون مصيرهم بمفردهم.
وتولت مرافقة عسكرية روسية استقبال الأسرة، حيث جرى نقلهم إلى قاعدة حميميم الجوية قبل إخراجهم جوا من البلاد.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن صديق لماهر الأسد، شقيق بشار وأحد أبرز القادة العسكريين، والذي يعرف عددا من المسؤولين السابقين في القصر الرئاسي، قوله إن ماهر حاول التواصل مع بشار لعدة أيام من دون جدوى.
وأضاف: « بقي ماهر في القصر حتى اللحظة الأخيرة، وعندما دخل الثوار وجدوا جمر الشيشة لا يزال دافئا ». مشيرا إلى أن ماهر، هو من ساعد الآخرين على الفرار. بينما بشار لم يهتم إلا بنفسه.
بينما روى إيلي حاتم، محامي رفعت الأسد عم بشار الأسد، تفاصيل الساعات الأولى التي أعقبت مغادرة العائلة لسوريا، مشيرا إلى أن موكليه اتصلوا به وهم في حالة ذعر، عاجزين عن إيجاد وسيلة آمنة للخروج من البلاد.
وقال حاتم إن أفرادا من العائلة وصلوا إلى قاعدة حميميم الجوية، حيث أبلغوا الجنود الروس بانتمائهم إلى عائلة الأسد، إلا أنهم لم يتمكنوا من التواصل بسبب عدم إتقانهم اللغتين العربية والإنجليزية، ما اضطر ثمانية منهم إلى قضاء الليل داخل سياراتهم أمام القاعدة، مضيفا أن مغادرتهم سوريا لم تتم إلا بعد تدخل مسؤول روسي رفيع المستوى، أتاح لهم السفر إلى سلطنة عمان.
الأسد ينتظر موافقة السلطات الروسية للظهور الإعلامي
وخلال الأشهر الأولى التي أعقبت فرار عائلة الأسد، لم تكن مسألة دعم حلفاء النظام السابق ضمن أولويات بشار الأسد.
ووفق التقرير، اجتمعت العائلة في موسكو للوقوف إلى جانب أسماء الأسد، زوجته المولودة في بريطانيا وسيدة سوريا الأولى السابقة، التي كانت تعاني منذ سنوات من مرض اللوكيميا، قبل أن تتدهور حالتها الصحية إلى مرحلة حرجة. وكانت أسماء تتلقى العلاج في موسكو قبل سقوط النظام.
وأشار التقرير إلى أن أسماء الأسد تعافت لاحقا بعد خضوعها لعلاج تجريبي أُجري تحت إشراف الأجهزة الأمنية الروسية.
ومع استقرار وضعها الصحي، يسعى بشار الأسد إلى طرح روايته للأحداث، إذ رتب لإجراء مقابلات إعلامية مع قناة «آر تي» الروسية وأحد أبرز المدونين الأمريكيين المحسوبين على اليمين، غير أن ظهوره الإعلامي لا يزال مرهونا بموافقة السلطات الروسية.
وأشار التقرير إلى أن روسيا فرضت حظرا كاملا على أي ظهور علني لبشار الأسد. ففي مقابلة نادرة أُجريت في نونبر مع وسائل إعلام عراقية تناولت طبيعة حياته في موسكو، أكد سفير روسيا لدى العراق، إلبرس كوتراشيف، أن الرئيس المخلوع ممنوع من ممارسة أي نشاط عام.
وقال كوتراشيف: «قد يعيش الأسد هنا، لكنه لا يستطيع الانخراط في أنشطة سياسية، ولا يحق له القيام بأي نشاط إعلامي أو سياسي»، مضيفا «هل سمعتم أي شيء عنه؟ لم تسمعوا، لأنه غير مسموح له بذلك، لكنه آمن وعلى قيد الحياة».
عائلة الأسد تعيش حالة صدمة
في المقابل، تبدو حياة أبناء الأسد أقل اضطرابا نسبيا، إذ يواصلون محاولات التأقلم مع واقعهم الجديد كأفراد ضمن نخبة موسكو. ونقل صديق مقرب من العائلة، التقى بعض الأبناء قبل أشهر، أنهم «يبدون في حالة ذهول إلى حد ما، ولا يزالون تحت وقع الصدمة، ويحاولون التكيف مع حياة لم يعودوا فيها العائلة الأولى في البلاد».
أما الظهور العلني الوحيد لأفراد من عائلة الأسد من دون بشار منذ سقوط النظام، فكان خلال حفل تخرج ابنته زين الأسد في 30 يونيو، حيث نالت شهادة في العلاقات الدولية من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO)، إحدى الجامعات النخبوية في روسيا، والتي يرتادها عدد كبير من أبناء الطبقة الحاكمة.
ووفقا لصحيفة «الغارديان»، تظهر صورة منشورة على الموقع الرسمي لجامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية (MGIMO) زين الأسد، البالغة من العمر 22 عاما، واقفة إلى جانب خريجين آخرين خلال حفل التخرج. كما يظهر مقطع فيديو منفصل، غير واضح المعالم، من المناسبة ذاتها، حضور عدد من أفراد عائلة الأسد، بينهم أسماء الأسد ونجلاها حافظ (24 عاما) وكريم (21 عاما)، بين المدعوين.
وأكد اثنان من زملاء زين الأسد، ممن حضروا حفل التخرج، أن بعض أفراد العائلة كانوا حاضرين بالفعل، إلا أنهم التزموا الحذر وتجنبوا لفت الأنظار. وقال أحد الزملاء السابقين، مشترطا عدم الكشف عن هويته: «لم تبق العائلة طويلا، ولم تلتقط صورا مع زين على المنصة كما فعلت بقية العائلات».
أما حافظ الأسد، الذي كان ينظر إليه سابقا بوصفه خليفة محتملا لبشار الأسد، فقد توارى إلى حد كبير عن المشهد العام، منذ نشره في فبراير مقطع فيديو عبر تطبيق « تلغرام »، قدم فيه روايته الخاصة لفرار العائلة من دمشق، نافيا أن تكون قد تخلت عن حلفائها، ومؤكدا أن موسكو هي من طلبت منهم مغادرة سوريا.
الإمارات لا تشعر بالارتياح لاستضافة بشار الأسد
كما تشير المعلومات إلى أن أبناء الأسد يزورون دولة الإمارات بشكل متكرر، وقد انضمت إليهم أسماء الأسد في إحدى الرحلات على الأقل. ووفقا لسجلات رحلات جوية مسربة اطلعت عليها صحيفة « الغارديان » للفترة الممتدة بين عامي 2017 و2023، كانت الإمارات قد تحولت منذ وقت مبكر إلى وجهة مفضلة للعائلة، حتى خلال فترة وجودها في السلطة. فقد قام كريم وحافظ الأسد برحلات متكررة بين أبوظبي وموسكو وسوريا، من بينها رحلات سجلت في شتنبر ونونبر 2023.
وأشار التقرير إلى أن عائلة الأسد كانت في البداية تأمل في الانتقال من موسكو إلى الإمارات، نظرا لأنها بيئة أكثر راحة بالنسبة لهم، خاصة وأن أفراد العائلة لا يتحدثون الروسية وواجهوا صعوبة في الاندماج داخل المجتمع في موسكو.
ومع ذلك، أدركت العائلة الآن أن الانتقال الدائم غير ممكن، إذ حتى الإمارات، التي تستضيف عددا من الشخصيات المثيرة للجدل عالميا، لا تشعر بالارتياح لاستضافة بشار الأسد.




