إدانة «الستريمر» إلياس المالكي بالحبس: قضية تعكس إشكاليات المحتوى الرقمي بالمغرب

في 20/11/2024 على الساعة 07:30, تحديث بتاريخ 20/11/2024 على الساعة 07:30

أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة الجديدة، في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء / الأربعاء، حكما بالسجن أربعة أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها 5 آلاف درهم في حق « الستريمر » المثير للجدل إلياس المالكي. جاء هذا الحكم على خلفية إدانته بتهمة الإخلال بالحياء العام، بينما برأته المحكمة من تهم التحريض على الكراهية والتمييز، بعد أن تنازلت جمعيات وشخصيات أمازيغية عن شكاواها ضده.

أفادت مصادر متطابقة أن الجلسة التي سبقت النطق بالحكم كانت طويلة ومليئة بالتفاصيل، إذ حضرها عدد كبير من المواطنين وأفراد عائلة المالكي. وخلال المحاكمة، اعترف إلياس بخطئه وقدم اعتذاره العلني لمكونات المجتمع الأمازيغي، مؤكدا أن ما صدر عنه كان زلة لسان دون نية للإساءة.

ووفق المصادر ذاتها، فقد شهد محيط المحكمة أجواء مشحونة بالحماس، حيث تجمّع محبّو المالكي وأفراد عائلته، معبرين عن ارتياحهم لقرار تبرئته من التهم الثقيلة المتعلقة بالتحريض على الكراهية والتمييز.

وفي المقابل، التمست النيابة العامة إدانته بالتهم المنسوبة إليه، معتبرة أن القضية تبرز خطر الاستغلال السلبي للمنصات الرقمية.

ورغم صدور هذا الحكم، لا يزال سجل المالكي مفتوحا أمام المزيد من المحاكمات، إذ ينتظر أن تنظر المحكمة نفسها يوم الخميس 21 نونبر 2024 في شكوى جديدة قدمتها إحدى المواطنات ضد المالكي، تتهمه بالإساءة إليها عبر محتوى إلكتروني باستخدام عبارات خادشة.

زلات المالكي

قضية إلياس المالكي أثارت جدلا واسعا بالمغرب منذ اعتقاله قبل أيام. واجه المالكي جملة من التهم التي شملت التحريض على الكراهية، التمييز، التشهير، والسب والقذف العلنيين، إضافة إلى تهمة الإخلال العلني بالحياء.

وقدمت هذه التهم بناء على محتويات نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي، تضمنت إساءات لفظية ومواد مسيئة اعتُبرت انتهاكا للقيم العامة وحقوق الأفراد.

ورغم تعدد الشكاوى ضد المالكي، أبرزها من طرف 15 شخصية أمازيغية وسياسية، إلا أن المحكمة قضت بتبرئته من تهمة التحريض على الكراهية والتمييز. هذه التبرئة جاءت بعد تنازل هذه الأطراف عن الدعاوى، وهو ما اعتبره البعض خطوة نحو تهدئة الأوضاع، بينما أبدى آخرون تخوفهم من أنها قد تعزز ظاهرة التجاوزات في المحتوى الرقمي.

مطبّات الشهرة الرقمية

برز اسم إلياس المالكي في فضاء الإعلام الرقمي المغربي كأحد الشخصيات الأكثر إثارة للجدل على منصات التواصل الاجتماعي. عُرف المالكي بمزجه بين الكوميديا والتعليق الاجتماعي والسخرية اللاذعة، بذلك استطاع جذب قاعدة جماهيرية كبيرة، وخاصة من فئة الشباب. لكنه أيضا كثيرا ما أثار الزوابع بسبب تصريحاته أو محتواه الذي يراه البعض استفزازيا ومتناقضا مع قيم المجتمع المغربي المحافظ، وأسال الكثير من التساؤلات حول حدود حرية التعبير والمسؤولية الرقمية في مجتمع متنوع كالمغرب.

بدأ ابن مدينة الجديدة، البالغ من العمر 35 عاما، رحلته على الإنترنت كغيره من الشباب الباحثين عن فرصة لإثبات الذات في فضاء رقمي متزايد التأثير. لم يكن المالكي يحمل خلفية إعلامية أو فنية، لكنه اعتمد على أسلوبه الخاص في تقديم محتوى يمزج بين الكوميديا والتعليقات الساخرة.

كانت بدايات المالكي متواضعة، حيث استخدم منصات مثل يوتيوب وفيسبوك لنشر مقاطع فيديو بسيطة تحمل طابع الفكاهة، قبل أن يتمكن من كسب شهرة واسعة في الساحة الإعلامية المغربية والعربية، عن طريق البث المباشر على منصات مثل « كيك.كوم »، التي تحظى بأكبر نسبة متابعة على المستوى العربي والإفريقي.

ومع الوقت، طوّر أسلوبه ليشمل مواضيع أكثر جرأة، مما أكسبه قاعدة جماهيرية كبيرة جعلته أحد أبرز صانعي المحتوى في المغرب.

ورغم النجاح السريع الذي حققه، لم يخلُ مسار هذا الشاب من المتاعب والمطبات. فقد سبق أن أدين بالحبس النافذ إثر اعتدائه على يوتيوبر مغربي آخر يدعى البورقادي، إذ حكم عليه بالسجن لثلاث سنوات قبل أن يتم تخفيف الحكم إلى ستة أشهر بعد إسقاط تهمة السرقة عنه في مرحلة الاستئناف.

ما إن غادر السجن حتى استأنف نشر فيديوهاته المباشرة التي تجمع بين الترفيه والنقاشات الجريئة حول قضايا اجتماعية وثقافية، إلى أن حقق شعبية كبيرة جعلت منه ظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي. تجاوزت أرقام مشاهداته الملايين، مما جعله محط أنظار جهات دولية، مثل دعوته للمشاركة في «دوري الملوك» (Kings League) العالمي الذي يشرف عليه اللاعب الإسباني السابق جيرارد بيكيه.

المالكي شخصية مؤثرة؟

ورغم الأزمة القانونية التي يواجهها، لا يزال «الستريمر» إلياس المالكي يعوّل على شهرته الرقمية لتحقيق طموحاته، بعدما تلقى الدعوة للمشاركة في «دوري الملوك».

وإن كانت هذه الدعوة تعكس حجم الشعبية التي يتمتع بها المالكي على المنصات الرقمية، فإنها تضع أيضا علامة استفهام حول معايير اختيار الشخصيات المؤثرة.

قصة إلياس المالكي تلقي الضوء على دور وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة الشهرة والتأثير، لكنها أيضا تبرز الإشكاليات الكبرى المتعلقة بالمحتوى الرقمي بالمغرب. وستظل مسيرته درسا مهما للشباب حول أهمية التوازن بين التعبير الحر واحترام القيم الاجتماعية.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 20/11/2024 على الساعة 07:30, تحديث بتاريخ 20/11/2024 على الساعة 07:30