ولدت السعدية قريطيف، التي اشتهرت فنيا باسم ثريا جبران، سنة 1952 بمدينة الدار البيضاء، وتحديدا بدرب بوشنتوف في عمق درب السلطان، لتعيش طفولتها كزائرة مواظبة على دار الأطفال عين الشق، وارتبطت بالمكان بحكم اشتغال والدتها بالدار، بعد وفاة والدها، تحت رعاية "محمد جبران" زوج شقيقتها، الذي كان نزيلا بالمؤسسة الخيرية وإحدى الدعامات المسرحية بها، والذي «أعار» اسمه العائلي للسعدية، حيث لم يكن مجرد متعهد للطفلة السعدية وعنصر أساسي في المنظومة التربوية لها فقط، بل ساهم إلى جانب دوره في المجال الطبي في استقطاب مجموعة من الوجوه المسرحية إلى دار الأطفال، كما كان إلى جانب عبد العظيم الشناوي من الأوائل الذين اشتغلوا بالمسرح من أبناء المؤسسة الخيرية، في الوقت الذي كان أغلب النزلاء يفضلون التعاطي للرياضة وكرة السلة على الخصوص.
بداياتها الفنية:
تألقت الطفلة ثريا على خشبة المسرح البلدي، ونالت إعجاب وتصفيقات الجمهور، حيث كانت بدايتها في عالم مسرح الهواة وعمرها لا يتعدى عشر سنوات، بعد تشجيع من المخرج محمد الشناوي، الذي دفعها للسير بعيدا في هذا المجال، إذ انجذب لطلعة ثريا جبران وتلقائيتها في التعبير والكلام، ولقيت تشجيعا آخر على الاحتراف من طرف المخرج الراحل فريد بن مبارك، أستاذ المسرح، والالتحاق بمعهد المسرح الوطني بالرباط عام 1969.
وحسب النقاد المسرحيين، فقد ارتبطت الأعمال الفنية لثريا جبران بالبسطاء، وبرعت في أداء أدوار التعبير عن معاناة المحرومين والمهمشين، لأنها عاشت في «خيرية» عين الشق مشاهد حية لكائنات تجتر الأحزان، حيث اعتبر بعضهم أنه إذا كان المسرح قد بدأ شعرا، فإن ثريا جبران، في حد ذاتها، قصيدة مسرحية بلا منازع، ذلك أن "الشعر بالنسبة إلى ثريا هو المسرح الأصفى"، كما يقول الشاعر المغربي محمد بنيس. وقد استطاعت ثريا جبران أن تصعد بالشعر العربي إلى خشبة المسرح، كما لم تقو قصيدة على ذلك.
أعمالها الفنية:
واشتغلت ثريا جبران مع عمالقة ورواد المسرح المغربي، فمع الطيب الصديقي، في "مسرح الصديقي"، قدمت سنة 1980 مسرحية "ديوان عبد الرحمن المجذوب"، وهي تستعيد فيها الشاعر الصوفي الشعبي المجذوب، وحكمه الخالدة، كما قدمت في مسرح الصديقي أيضا مسرحية "أبو نواس" سنة 1984، وفي سنة 1985، قدمت عملا مسرحيا عربيا كبيرا، من خلال المسرحية التاريخية "ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ"، في إطار فرقة الممثلين العرب، التي أسسها الصديقي رفقة اللبنانية نضال الأشقر، بمشاركة ممثلين من العراق وسوريا والأردن وفلسطين، وثريا جبران من المغرب.
وفي سنة 1987، سوف تسطع شمس ثريا جبران في فرقة "مسرح اليوم"، من خلال عملها الأول "حكايات بلا حدود"، والتي اقتبسها زوجها المخرج عبد الواحد عوزري عن نصوص للشاعر السوري الراحل محمد الماغوط، وهو "البدوي الأحمر"، لتواصل تألقها فرقة "مسرح اليوم"، في يومها الأول، بتدشينها لتجربة جديدة في المسرح المغربي، بل والعربي عامة، إثر عرض المسرحية في مهرجان بغداد المسرحي في تلك السنة، وفي مهرجان دمشق للفنون المسرحية سنة 1988.
واستمر توهج جبران مع مطلع الألفية، وذلك بتأديتها لمسرحية "أربع ساعات في شاتيلا"، سنة 2001، وهو نص للكاتب الفرنسي جان جنيه، بترجمة محمد برادة، حيث دفع أداؤها المبهر النقاد إلى الإسهاب في التنويه بجبران والإعجاب بها، حيث كتب أحدهم أن ثريا مع ومع فرقة "مسرح اليوم"، «استطاعت أن تحقق الدعوة التي أطلقها المخرج المسرحي السويسري أدولف آبيا من أجل "إلغاء دراما الكلمة"، وإعطاء الكلمة للجسد، حتى ينطق ويتكلم حين يتألم. هو ذلك الجسد الذي أمعن الإنسان في كبته، وفي إخفائه وستره، وخلق الكثير من القوانين من أجل التستر على جريمة الجسد والإمعان في اعتقاله وإخفائه وأسره».
من المسرح إلى السياسة:
في سنة 2007، خاضت ثريا جبران تجربة جديدة، وهذه المرة على خشبة السياسة، والانتقال من الوقوف على الخشبة إلى الجلوس على كرسي المسؤولية الحكومية، حيث عينها الملك محمد السادس وزيرة للثقافة في حكومة عباس الفاسي، لتصبح أول فنانة تتقلد منصبا سياسيا في تاريخ المغرب، حيث ظل الهاجس الاجتماعي حاضرا في برنامجها العملي، وذلك بإعطاء الأولوية لهذا الجانب في حياة الفنانين، من خلال مجموعة من التدابير، كقانون الفنان وبطاقة الفنان والتغطية الصحية للمشتغلين في هذا القطاع، وضلت في منصبها لغاية سنة 2009.