تحت عنوان «تبون بين أيدي شنقريحة»، كتبت الصحيفة الجزائرية «لوماتان دالجيري»، بتاريخ الجمعة 4 أكتوبر 2024، مقالا يبين بدقة من يتحكم في دواليب الحكم في قصر المرادية.
كشف المقال أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، البالغ من العمر 79 عاما، كان يأمل في الحصول على شرعية شعبية من خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي تبين أنها مجرد عملية شكلية بعيدة عن أن تكون انتخابات حقيقية. بيد أن فشله في تلبية تطلعات الشعب الجزائري، الذي يرغب في إنهاء «المهزلة الانتخابية»، عرّى واقعا آخر: تبون رئيس بلا شعبية، يعاني من عزلة غير مسبوقة.
رغم الجهود الدعائية الكبيرة التي رافقت الانتخابات، فإن النتائج لم تكن سوى تأكيدا لفقدان تبون شعبيته. وحسب صحيفة «لوماتان دالجيري» فإن الأحزاب والمنظمات المدنية التي أبدت دعمها العلني لتبون، كانت تُدار من خلف الكواليس بواسطة الدولة العميقة، مما جعله يعتمد بشكل كامل على القوى الخفية التي تتحكم في المشهد السياسي. «تبون، الذي يفتقر إلى قاعدة شعبية صلبة أو تنظيم سياسي داعم، وجد نفسه معزولا في مشهد سياسي معقد، يديره مكتب مظلم يحدد الحياة والموت السياسي في البلاد»، يقول كاتب المقال المشار إليه.
تبون تحت الوصاية العسكرية
يستطرد المقال مضيفا أن تبون، إلى جانب افتقاره للشرعية، يعتمد بشكل كامل على الجنرال سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش، الذي أصبح المتحكم الفعلي في قرارات الرئيس.
واعتبرت الصحيفة وجود شنقريحة الدائم خلال الحملة الانتخابية وفي زيارات تبون العلنية، مثل الملاعب والمعارض، دليلا واضحا على هذه الوصاية، لتخلص إلى أن السلطة الحقيقية في الجزائر ليست في يد الرئيس، بل في يد المؤسسة العسكرية.
إقرأ أيضا : النظام الجزائري يرتعد من الشعارات السلمية: قمع دموي في مباراة كرة قدم
أما مستشارو الرئيس، فقد وصفتهم الجريدة بأنهم «لا يملكون من القوة أكثر من رئيس دائرة محلية»، ما يجعل تبون المنعزل عن العالم والشعب، «يواصل سياسة جنونية وقمعية للبقاء في السلطة والحفاظ على بقاء عشيرته، ولكنه أيضا، وقبل كل شيء، يتبع أوامر الجنرال سعيد شنقريحة بدقة، حيث لا يمكن تجنب حضوره الإعلامي».
الأزمة السياسية والجمود الحكومي
قالت الجريدة الجزائرية إنه على عكس التصريحات المطمئنة التي قُدمت خلال مراسم أداء اليمين لتبون، فإنه ينبغي توقع تشديد خطير على الحريات، ذلك لأن أولئك الذين يديرون البلاد لديهم عادة الإشارة إلى اليسار بينما يتجهون إلى اليمين، لذلك أكدت الصحيفة بأن هذه السياسة متأصلة في جيناتهم.
ليس هناك أي عذر للرئيس الذي لم يكتفِ بتجميد الحوكمة بل أغرق البلاد بأكملها في جمود غير مسبوق. ففي حين تعاني البلاد، التي يحلو له أن يسميها بـ «القوة الضاربة»، من تحديات خطيرة آخرها تفشي وباء الملاريا في جنوب الجزائر، انشغل «حكام قصر المرادية» بالإقالات والتعيينات في صفوف الأجهزة الأمنية، مع إقالة رئيس الاستخبارات الخارجية جبار مهنا وتوجيه تهم الخيانة والتآمر ضد الدولة إلى فريد بن شيخ، المدير العام السابق للأمن الوطني.
إقرأ أيضا : بورتري: من يكون رشدي فتحي موساوي.. أصغر جنرال في نظام الكابرانات المسنين؟
وتعكس هذه التحركات الأمنية -من جهة- وجود أزمة عميقة داخل المؤسسات الجزائرية، التي تفتقر إلى الاستقرار والحوكمة الفعالة، ومن جهة أخرى تفضح أولوية النظام في الحفاظ على قبضته الأمنية بدلا من معالجة الأزمات التي تمس حياة المواطنين اليومية.
العودة إلى الوجوه القديمة: عجز عن التغيير
عكس الشعارات التي رفعها تبون خلال حملته الانتخابية للعهدة الثانية، بادعائه في كل مرة بأنه سيستعين بالطاقات الشابة، وبدلا من الاستجابة للتحديات الداخلية وتحقيق الإصلاحات، فقد فاجأ تبون أنصاره قبل خصومه، بأول « قرار كبير » له، كما وعد خلال حملته الانتخابية، بتعيين دحو ولد قابلية، الشاب المحترم البالغ من العمر 91 عاما، لرئاسة اللجنة المعقدة للإصلاحات المتعلقة بقوانين الجماعات المحلية والولايات.
ووفق مقال جريدة « لوماتان ألجيري » فإن اختيار تبون إعادة تدوير الشخصيات السياسية القديمة « يعكس العجز عن تقديم أية رؤية جديدة للجزائر »، ما يعمق من شعور المواطنين باليأس من الإصلاحات الحقيقية.
إقرأ أيضا : شطحات وهفوات تبون خلال أداء اليمين الدستورية تواصل إثارة سخرية الجزائريين
الشباب يهاجرون والديناصورات تعود
بينما يلقي آلاف الشباب الجزائريين المؤهلين في غياهب البحر بحثا عن فرص أفضل في الخارج، يعود إلى السلطة من وصفوا بـ »الديناصورات السياسية » واحدا تلو الآخر. هذه العودة تكشف عن الجمود السياسي وتفريغ الوعود الإصلاحية من محتواها. في ظل هذه الظروف، تبقى الجزائر عالقة في دوامة تدهور مستمر على كافة الأصعدة، ما يزيد من تراجع ثقة الشعب في النظام الحاكم.
ومع وجود نحو أربعين جنرالا، ومديرين عامين للأمن الوطني، ورؤساء وزراء، ووزراء، ورؤساء أجهزة استخبارات وسياسيون ومعارضون وصحفيون.. خلف أسوار السجن، تتساءل الجريدة «في من يمكن أن نثق في الجزائر؟».