باستثناء 7 تجمعات شعبية لأحزاب الائتلاف الداعم للمترشح عبد المجيد تبون (مقابل نشاط واحد للمترشحين الآخرين عبد العالي حساني ويوسف أوشيش)، لم يتم الإعلان ضمن برنامج اليوم الخامس عشر من الحملة الانتخابية، الذي تذيعه وسائل الإعلام الجزائرية صباح كل يوم منذ انطلاق الحملة الانتخابية، عن أي تجمع شعبي سينشطه المترشح تبون بولاية جانت، قبل أن يتفاجأ الجزائريون بظهور « عمي تبون » مساء الخميس في هذه المنطقة الواقعة في الحدود بين دولتي ليبيا والنيجر.
النظام الجزائري يرتعد من قوات حفتر
قد لا يحتاج هذا التكتم حول تنقل الرئيس / المترشح من قصر المرادية إلى منطقة جانت، التي تبعد عن العاصمة الجزائر بـ2300 كلم وعن الحدود الليبية بـ100 كلم والحدود النيجرية بـ200 كلم، إلى تأويل آخر غير خوف نظام « القوة الضاربة » من استفزاز قوات المشير خليفة حفتر المعسكرة قرب الحدود الليبية.
إقرأ أيضا : بلد يعيث فيه الجنرالات والفساد والقمع.. مجلة فرنسية تكشف واقع الجزائر تحت حكم العسكريتارية
والدليل على ارتعاد النظام الجزائري من التهديد المباشر الذي تشكله قوات حفتر على الجزائر التي تتبجح بقوة جيشها، تخصيص تبون لمقطع من استعراضه الكلامي في جانت لتلطيف الأجواء المتشنجة مع ليبيا والنيجر، حيث ادعى بأن الجزائر تعتبر ليبيا والنيجر جارتين « شقيقتين »، ووعد بـ »فتح معابر مع الدولتين الشقيقتين النيجر وليبيا واستحداث مناطق حرة »، لا سيما – كما أضاف – وأن « الجزائر اليوم إنتاجها قوي في عدة مجالات، كالصناعة الصيدلانية والكهرومنزلية والصناعات التحويلية » ومجالات أخرى تسمح لها بالتسويق في دول الجوار.
النظام يمارس التعتيم على تبون
عدا التعتيم حول إعلان هذا التجمع الخطابي لمترشح العسكر، فإن تغطية وسائل الإعلام الجزائرية (بما فيها حتى المنصات التابعة للمديرية العامة لحملته الانتخابية) لخطاب تبون كانت مختلفة هاته المرة عن التغطيات المعهودة خلال الاستعراضين اللذين قدمهما حتى الآن في كل من قسنطينة ووهران.
وهكذا فقد أجمعت كل وسائل الإعلام الجزائرية على عدم نشر « الخطاب الكامل » لتبون في بلدية جانت، بل لجأت إلى تقزيمه من خلال تجزيئه وبثه على شكل مقاطع لا يتعدى أطولها دقيقتين، تتضمن فقط ما يتماشى مع أجندة النظام وأطروحاته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النظام العسكري لم يعد يأمن زلات لسان مرشحه التي تورطه في كل خرجة، لذلك أمر الجنرالات إعلامهم المسخر باستعمال مقص الرقيب في حق المترشح الذي يعد الناخبين بـ »جزائر جديدة ».
أما المنصات التابعة للمديرية العامة لحملته الانتخابية فلم تشر إلى هذا التجمع الخطابي إلا في صباح الجمعة، حيث نشرت صورا ومقطع فيديو موضب بعناية تبلغ مدته حوالي 19 دقيقة.
خطاب مكرر وشعبوية مفرطة
من يتابع خطابات تبون خلال الحملة الانتخابية سيلاحظ أنه يعتمد على « خطاب موحد » يتكرر في جميع تجمعاته، مع بعض التعديلات الطفيفة في أسماء المدن ووعود جديدة ضخمة تتناسب مع حماس الجماهير التي يتم حشدها لتنشيط تجمعاته الشعبية.
في جانت، لم يخرج خطابه عن هذا الإطار، فقد استهل خطابه أمام الأمازيغ الطوارق بترديد أسطوانته المشروخة عن الصعوبات التي واجهته خلال العهدة الأولى، إذ علق إخفاقاته كالعادة على شماعة كوفيد والحرب الروسية – الأوكرانية، قبل أن ينتقل إلى استعراض براعته في إطلاق الوعود الضخمة، التي ستحول –حسبه- هاته المنطقة القاحلة إلى جنة فوق الأرض بعد ربطها بالطرق والسكك الحديدية في أفق جعل سكانها يرفلون في العيش الكريم، ولكن شرط أن يفوز بالعهدة الثانية طبعا.
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: جزائريون يسخرون من أكاذيب تبون ويلقبونه بـ«موسيو بلا بلا»
اجترار هذا الخطاب المكرر من طرف تبون، ينم أولا عن افتقاره لخطاب واقعي يراعي خصوصية كل منطقة ويحترم ذكاء المواطنين من خلال وعدهم بمشاريع واقعية.. ويشير من جهة ثانية إلى أنه يخبط خبط عشواء بدون دراسة لما يقوله بأسلوب غارق في الشعبوية، وهو ما يسيء إليه بسبب كثرة الزلات الناجمة عن ضعفه على مستوى قوة ارتجال الخطاب.
كرم حاتمي وأكاذيب مكشوفة
كعادته في كل مرة، فقد أبدى تبون كرما حاتميا أمام سكان الولاية الصحراوية جانت (حوالي 15 ألف نسمة)، فقد وعدهم بأن يساعدهم جميعا على تحقيق أمانيهم ومشاريعهم إذا صوتوا عليه يوم 7 شتنبر.
« من يريد منكم شراء الإبل لكسبها سنعطيه.. ومن يريد شراء السيارات لإطلاق مشروع سياحي أو فلاحي فمرحبا به.. لا مشكلة لدي »، هكذا خاطب تبون سكان هذه المنطقة الصحراوية النائية في الجنوب، مغدقا عليهم بالوعود الوردية. حتى أنه وعدهم بأن يأمر الحكومة بالمجيء إلى هنا (تذكروا مسافة 2300 كلم) من أجل « عقد اجتماع الحكومة في جانت لتسجيل كل مطالب سكانها.. ». وهنا قام أحد شيوخ المنطقة وقاطعه بأن دعاه إلى إيفاد وزير الصحة فقط لكي يطلع على الحالة المزرية للمستشفى. وحاول تبون إخفاء ارتباكه من هذا السؤال المفاجئ، لكنه قرر الهرب إلى الأمام كعادته.
فقد ادعى أنه ليس من اللياقة مع منافسيه في الانتخابات أن يتحدث عن مشاريع خلال تجمع انتخابي.. قبل أن يستطرد مضيفا: « أرجوكم لا تدعوني أفرط في الحديث عن المشاريع حتى لا أتهم بأنني أشتري ذممكم ».
وبهذا التناقض في الخطاب سيكون تبون قد هدم كل ما بناه من قصور بالرمال في ذهنية أولئك المتلقين البسطاء، خاصة الذين صدقوا منهم ما كان يقوله قبل قليل.
ولا يبدو أن أكاذيب مرشح النظام قد صدقها هؤلاء المواطنون المحرومون من أبسط الحقوق، فقد انتشرت تعليقات ساخرة لأبناء المنطقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، تنم عن وعيهم باللعبة التي يحبكها النظام في سبيل عهدة ثانية. « نحن لا نريد أموالك.. نريد فقط حقوقنا كمواطنين جزائريين »، هكذا رددت أغلب تعليقات في صفحة خاصة بأخبار جانت وتيسمسيلت.
يبدو أن عبد المجيد تبون يواجه تحديات كبيرة في محاولته للفوز بولاية ثانية، خاصة في ظل التخبط الذي يعيشه نظامه وفقدان الثقة المتزايد لدى المواطنين. فهل ستكفيه هذه الوعود الخيالية لكسب تأييد الناخبين، أم أن زلاته المتكررة ستقف عائقًا أمام طموحه السياسي؟ الأيام القليلة المقبلة ستكشف لنا عن الإجابة.