دبلوماسية الشعارات.. الجزائر تغادر مجلس الأمن الدولي بحصيلة «صفرية» وتضليل إعلامي مفضوح

ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع

في 30/12/2025 على الساعة 20:06

تغادر الجزائر اليوم أروقة منظمة الأمم المتحدة، منهية عهدتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي التي استمرت سنتين، وسط إجماع مراقبين دوليين على أنها كانت عهدة «باهتة» لم تنجح خلالها الدبلوماسية الجزائرية في ترك أي بصمة حقيقية أو تحقيق أي «نجاح» في الملفات الحساسة التي تصدرت أجندة المجلس.

منذ انتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن، روّج الخطاب الرسمي الجزائري لفكرة «استعادة النفوذ الدبلوماسي» و«تعزيز الحضور الدولي»، مع التركيز على إثارة بعض القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها فلسطين. غير أن المتتبع لأداء الجزائر داخل المجلس يلاحظ أن حضورها ظل في حدود الخطاب السياسي، دون ترجمة ذلك إلى مبادرات مؤثرة أو تحقيق نجاحات دبلوماسية حقيقية، سواء في ملفات المنطقة المغاربية أو في الملف الفلسطيني، الذي شهد تحولات دقيقة في مواقف عدد من الدول الفاعلة داخل المجلس.

فباستثناء بيانات وتصريحات متكررة، لم تنجح الجزائر في فرض مقارباتها أو التأثير في مخرجات مجلس الأمن، كما لم تسجل لها أدوار وازنة في صياغة قرارات محورية، وهو ما جعل حصيلتها العملية محل تساؤل حتى داخل الأوساط المتابعة للشأن الدبلوماسي.

صناعة «وهم» التتويج

أمام هذه الحصيلة الفارغة، وفي محاولة للتغطية على هذا الإخفاق، لجأت الماكينة الإعلامية الرسمية والموالية للنظام الجزائري في حملة تضليل واسعة، من خلال تضخيم صورة ممثل البلاد الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، وتقديمه باعتباره «رمزا دبلوماسيا عالميا»، في محاولة واضحة للتغطية على ضعف الأداء العام للجزائر داخل المنظمة الدولية.

صباح اليوم الثلاثاء 30 دجنبر، تصدرت عناوين المواقع والصفحات الجزائرية عناوين مضللة تتعلق بخبر عاد في أصله، لكنها أضفت عليه ما يكفي من التهويل ليبدو كـ«إنجاز تاريخي». فقد روجت وسائل الإعلام الجزائرية لخبر اختيار السفير عمار بن جامع «دبلوماسي العام 2025» من طرف مؤسسة إعلامية مستقلة، مدعية أنه «تتويج أممي» واعتراف دولي رسمي بجهوده.

غير أن التدقيق في مصدر الخبر يكشف زيف هذه الادعاءات؛ إذ يتعلق الأمر بمجرد إدراج اسم بن جامع ضمن قائمة الشخصيات البارزة للعام 2025 في موقع «PassBlue»، وهو منصة رقمية مستقلة تعنى بأخبار الأمم المتحدة، وتستند تقييماتها غالبا إلى استطلاعات رأي القراء أو تقديرات هيئة تحريرها، ولا صلة لها بأي جائزة رسمية صادرة عن منظمة الأمم المتحدة أو مؤسساتها التابعة.

وكعادة الإعلام الجزائري الموالي للنظام، الذي لا يتقن سوى التضليل والكذب لإرضاء غطرسة جنرالات العسكر، فقد قدّم الخبر بصيغة مغايرة تماما، عبر عناوين مضللة من قبيل:

انتخاب عمار بن جامع دبلوماسي العام في الأمم المتحدة

عمار بن جامع يؤدي مهمته وينال الاعتراف الدولي

عمار بن جامع يتوج بدبلوماسي الأمم المتحدة لعام 2025

اختيار بن جامع دبلوماسي عام 2025 في الأمم المتحدة

ويوحي هذا التضليل المتعمد بأن الأمر يتعلق بتصنيف رسمي صادر عن الأمم المتحدة أو إحدى هيئاتها، في حين أن الحقيقة لا تتعدى اختيارا إعلاميا تقوم به منصة صحفية مستقلة، غالبا بناء على تقدير تحريري أو تفاعل قرائها في نهاية السنة، دون أي صفة رسمية أو طابع مؤسساتي أممي.

خطاب تبريري ومؤامرات جاهزة

بدل الانكباب على تقييم موضوعي للحصيلة، اختارت بعض الصحف الجزائرية نهج خطاب تبريري قائم على نظرية المؤامرة. فقد ذهبت جريدة «الشروق الجزائرية»، في مقال بعنوان «هاجمه الصهاينة وذباب المخزن.. كيف كان أداء السفير عمار بن جامع خلال 2025؟»، إلى تصوير أي انتقاد لأداء الدبلوماسية الجزائرية على أنه هجوم يقوده «الصهاينة وذباب المخزن المغربي»، بهدف تقويض «الرسالة الإنسانية» للسفير.

وادعى المقال أن مواقف بن جامع، خاصة بخصوص غزة، أكسبت الجزائر «احترام المجتمع الدولي»، دون تقديم أي مؤشرات ملموسة أو أمثلة واقعية على هذا الاحترام المزعوم، في وقت تتحدث فيه الوقائع عن نكسات دبلوماسية متتالية عمقت عزلة الجزائر، وعرّت التناقض بين شعاراتها الرنانة وممارساتها الفعلية.

خطاب الوداع واعتراف بالفشل

تعامل الإعلام الجزائري أيضا مع الكلمة الختامية التي ألقاها عمار بن جامع بمناسبة مغادرة مجلس الأمن، وكأنها «خطبة وداع» ملهمة، مليئة بالنداءات الإنسانية. غير أن العبارة التي جرى الترويج لها على نطاق واسع: «الجزائر ستغادر مجلس الأمن الدولي وهي تشعر بأنها أدت ما كان عليها تأديته، وقامت بواجبها»، بدت أقرب إلى اعتراف ضمني بفقر الحصيلة، أكثر من كونها شهادة نجاح.

فإذا كان خير الأعمال خواتيمها، فإن خاتمة العهدة الجزائرية في مجلس الأمن جاءت مثقلة بالجدل، خصوصا بعد تصويت الجزائر لصالح القرار رقم 2803، الذي يأذن بإنشاء قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة، تتولى نزع السلاح وتدمير البنى التحتية المصنفة «إرهابية»، ويرحب بتأسيس «مجلس السلام» للإشراف على إعادة إعمار القطاع.

هذا التصويت أثار غضبا واسعا في الأوساط السياسية داخل الجزائر نفسها، كونه يتناقض جذريا مع الشعارات التي لطالما رفعها النظام العسكري حول «الثوابت» والدفاع عن فلسطين، مما كشف الهوة العميقة بين الخطاب الاستهلاكي الموجه للداخل وبين الممارسة الفعلية في كواليس مجلس الأمن.

حصيلة بين الخطاب والواقع

بين خطاب إعلامي متفائل ومبالغ فيه، وواقع دبلوماسي يكشف محدودية التأثير وضعف النتائج، تغادر الجزائر مجلس الأمن بحصيلة يصعب وصفها بالإنجاز. فالتضخيم الإعلامي، وتقديس الأشخاص، واستدعاء شماعة «المؤامرات الخارجية»، لا يمكن أن تحجب حقيقة أن العهدة غير الدائمة لم تسفر عن مكاسب ملموسة، بقدر ما عمقت التناقض بين الشعارات المرفوعة والممارسة الدبلوماسية على أرض الواقع.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 30/12/2025 على الساعة 20:06