فضيحة قضائية في الجزائر: أسرع حكم بالسجن ضد شابة تونسية اشتكت من التحرش

المؤثرة التونسية دنيا القاني ذهبت في رحلة سياحية إلى الجزائر وتم سجنها بعد تقديمها شكوى ضد تعرضها للتحرش الجنسي

في 12/10/2024 على الساعة 11:44

فيديوفي واقعة تسلط الضوء على التناقض الصارخ بين خطاب النظام الجزائري وواقع الحقوق والحريات، برزت قضية المؤثرة التونسية دنيا القاني كمثال حي على تفشي الفساد والقضاء الجائر وانتهاك الحقوق في بلاد « القوة الضاربة ». ففي الوقت الذي تفاخر فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال خرجته الإعلامية الأخيرة بأن بلاده تحمي حرية التعبير، كانت محكمة عنابة (شمال شرق الجزائر) تسابق الزمن لإصدار أسرع حكم بالسجن في حق المؤثرة التونسية، التي تحولت من ضحية للتحرش الجنسي إلى مذنبة تُسجن بتهمة « التشهير والإساءة لسيادة الدولة. »

وجدت المؤثرة التونسية دنيا القاني، البالغة من العمر 21 عاما، حياتها تنقلب رأسا على عقب، فقط لأنها اختارت قضاء عطلة سياحية بمدينة عنابة الجزائرية، بيد أن ما بدأ كرحلة سياحية عادية انتهى بشكل مأساوي بالنسبة لهاته الشابة، التي لم تتوقع أن شكواها من التحرش الجنسي ستقودها إلى السجن.

لم يكن التحرش بحد ذاته ما أثار الجدل بقدر ما كان رد فعل السلطات الجزائرية السريع والقاسي عندما لجأت إليهم لتقديم شكوى. فبدلا من حماية الشابة المستغيثة، تم تجاهل شكواها، بل إنها تعرضت للتحرش من طرف الدركي الذي استنجدت به، وهو ما دفعها إلى نشر مقطع فيديو على حسابها الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي تروي فيه تفاصيل ما وقع.


الجزائر «ليست بلدا آمنا للنساء»

وثقت دنيا في الفيديو الذي نشرته عبر حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي، تعرضها للتحرش الجنسي من طرف شبان جزائريين، مؤكدة أنها عندما لجأت إلى دركي لم تتم حمايتها بل تمادى في تعريضها للتحرش. ووجهت من خلال مقطع الفيديو نفسه انتقادات لاذعة للسلطات الجزائرية، واصفة الجزائر بأنها « ليست بلدا آمنا للنساء ».

ودعت المؤثرة التونسية متابعيها إلى تجنب السفر إلى الجزائر، ووصفتها بأنها « أخطر بلد يمكن زيارته »، محذرة من السفر إليها في ظل الظروف الراهنة.

هذا التصريح أثار ضجة كبيرة في الجزائر، خاصة أن بعض وسائل الإعلام، التي كانت تسعى لتحقيق الإثارة، ظلت تنتقد تصريحات المواطنة التونسية على أنها تسيء إلى كرامة الجزائر وسيادة الدولة، مما زاد من تعقيد القضية.

أسرع محاكمة في التاريخ

ما حدث بعد ذلك كان بعيدا عن العدالة، إذ لم يمر سوى يومان فقط على نشر الفيديو حتى تحولت القضية إلى ما يشبه المسرحية القضائية. ففي وقت قياسي، تم اعتقال دنيا ومحاكمتها، حيث أصدرت المحكمة حكما بالسجن لمدة عام وغرامة مالية بقيمة 3000 دينار جزائري بتهم « التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، توجيه اتهامات كاذبة ضد موظف عمومي، والإساءة لسيادة الدولة ».

وحسب وسائل إعلام تونسية، فقد انقطعت أخبار المؤثرة التونسية دنيا القاني عقب اعتقالها في عنابة، مما دفع شقيقتها شروق القاني إلى دعوة السلطات التونسية للتدخل العاجل لإنقاذها، مؤكدة أن شقيقتها كانت ضحية لاعتداء جنسي موثق، لكنها واجهت العقاب بدلا من الحماية.

بدوره أكد المحامي التونسي محمد الشاهدي، الذي يتولى الدفاع عن دنيا، أن موكلته لم تحصل على حق الدفاع الكافي، وأن المحاكمة تمت بسرعة غير مبررة دون تمكينها من التواصل مع عائلتها أو محاميها.

هذا التسرع غير المفهوم في الإجراءات القضائية بالجزائر، دفع بالعديد من الحقوقيين إلى التساؤل عن الدوافع الحقيقية وراء هذه المحاكمة السريعة، التي وصفها محامي القاني بأنها افتقدت لأبسط معايير العدالة والإنصاف.

انتقادات حقوقية واستنكار دولي

أثارت هذه القضية استنكارا واسعا داخل تونس وخارجها، حيث دعا العديد من النشطاء والسياسيين إلى ضرورة تدخل السلطات التونسية للدفاع عن حقوق مواطنتهم. كما وجهت منظمات حقوقية تونسية ودولية انتقادات لاذعة للنظام القضائي الجزائري، مشيرة إلى أن ما حدث يعكس « تدهورا خطيرا » في أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وحرية التعبير.

كما انتقد العديد من التونسيين على وسائل التواصل الاجتماعي سوء المعاملة التي تعرضت لها دنيا، مطالبين بإطلاق سراحها فورا.

ودعت نجوى ضوادي، عضو جمعية حقوق الإنسان واللاجئين في جنيف، إلى الإفراج الفوري عن دنيا، معتبرة أن قضيتها تعكس غياب العدالة.

وأطلقت شخصيات تونسية، بما في ذلك الممثلة ليلى شابي، دعوات لوزارتي الخارجية والداخلية للتدخل لدى السلطات الجزائرية.

زيف الخطاب الرسمي

تأتي واقعة المؤثرة التونسية دنيا القاني لتؤكد التناقض الكبير بين الخطاب الرسمي للنظام الجزائري وواقع الحال. ففي وقت يتبجح فيه الرئيس تبون بضمان حرية التعبير في بلاده، جاءت هاته القضية لتكشف زيف تلك الادعاءات، فبدلا من معاقبة المتحرشين بها، تحولت الضحية إلى مذنبة في مشهد يعرّي انتهاك حقوق الأجانب وتعريضهم للتعسف القضائي والسياسي.

أما الحكم القاسي ضد دنيا القاني فقد جاء ليفضح تزايد الاستبداد والظلم في الجزائر، وليعصف أيضا بسمعة القضاء الجزائري الذي فقد الكثير من مصداقيته أمام الرأي العام المحلي والدولي.

كما تعيد الواقعة إلى الواجهة التساؤلات حول مدى استقلالية القضاء في الجزائر، ومدى تحكم السلطات الأمنية في مسار القضايا... وهل كان الحكم مجرد رد فعل على نشر فيديو ينتقد السلطات الجزائرية، أم أنه كان محاولة لتكميم الأفواه وترويع كل من يفكر في التعبير عن مظالمه؟

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 12/10/2024 على الساعة 11:44