أعلن وكيل الجمهورية الجزائرية لدى محكمة الميلية بولاية جيجل عن فتح تحقيق قضائي في إطار محاربة ظاهرة « المضاربة غير المشروعة »، وذلك بناءً على شكوى مقدمة من مصالح مديرية التجارة لولاية جيجل بخصوص أفعال مضاربة غير مشروعة في مادة الموز من طرف أحد التجار.
ونقلت وسائل إعلام جزائرية بيانا صادرا عن النيابة العامة يتحدث عن تقديم ثلاثة مشتبه فيهم أمام النيابة يوم 22 ماي 2024، للتحقيق معهم حول تهم تشمل « المضاربة غير المشروعة، تبييض الأموال، التهرب الضريبي، عدم الفوترة، الممارسات التجارية التدليسية، ممارسة نشاط تجاري دون حيازة محل تجاري، واستغلال سجل تجاري من طرف شخص غير صاحبه، بالإضافة إلى تحرير عمداً إقرارات أو شهادات تثبت وقائع غير صحيحة مادياً ».
وأبرز البيان أن قاضي التحقيق قرر، بعد استجواب المتهمين، إيداع اثنين من المتهمين رهن الحبس المؤقت، في انتظار استكمال إجراءات التحقيق ومحاكمتهم.
ويأتي هذا الإجراء في خضم موجة من الاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من طرف جزائريين اكتووا بنار غلاء أسعار الموز، في الوقت الذي يدعي وزير التجارة في كل مرة بأنه « يسيطر على الوضع » وأنه « لا يتسامح » مع التلاعب في الأسعار و« يضرب » المضاربين بيد من حديد...
والواقع أن كل الإجراءات التي اتخذها وزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، في هذا الصدد، لم تكن سوى شعارات رنانة ولم تنفع في حل مشكلة غلاء أسعار الموز. فقد لجأ في البداية إلى تهديد المضاربين بمعاقبتهم بالقانون وسحب رخص الاستيراد منهم، وحين لم تنجح لغة التهديد خفض الوزير من حدة صراخه أمام الكاميرات وبدا حملا وديعا وهو يدعو المضاربين إلى « التعقل »، قبل أن ييأس من مخاطبتهم ويلتفت إلى المواطنين ويدعوهم إلى « مقاطعة شراء الموز » إلى غاية أن تعود الأسعار إلى مستواها الطبيعي.
وزير الفلاحة يتدخل
بعد فشل وزير التجارة في كبح غلاء أسعار الموز بالجزائر، اضطر وزير الفلاحة والتنمية الريفية إلى التدخل، من خلال إسناد مهمة استيراد فاكهة الموز لفائدة « شريك عمومي ». وهو إجراء تلجأ إليه الحكومة الجزائرية لأول مرة، من أجل المحافظة على استقرار سوق هذه المادة التي باتت تصنف في خانة المنتجات واسعة الاستهلاك من طرف المواطن نظير الطلب الذي يكثر عليها على مدار السنة.
وتعول الحكومة على هذا الشريك العمومي، ويتعلق الأمر بالشركة الجزائرية لضبط المنتجات الفلاحة المعروفة اختصارا باسم SARPA التابعة للمجمع العمومي « أغرولوغ »، لكي تستورد كمية قدرها 10 آلاف طن من الموز، من أجل سد الخصاص الحاصل في هاته الفاكهة.
وذكرت جريدة « النهار أونلاين » الجزائرية استنادا إلى مصادرها، أن شركة SARPA ستتكفل بالمهمة بعد الإعلان عن مناقصة دولية قبل مباشرة العملية، وإدخال الكميات المطلوبة بأسعار تنافسية.
وسبق للحكومة الجزائرية أن لجأت إلى الشركة الجزائرية لضبط المنتجات الفلاحية لضبط الأسعار في الأسواق، وآخر مهمة لها كانت خلال شهر رمضان المنصرم، حيث كلفتها باستيراد الدجاج المجمد من دولة البرازيل بهدف « ضبط السوق بأسعار تنافسية ».
وبينما تروج الحكومة لهذا الإجراء على أنه « إنجاز هام » سيضع حدا لمعاناة المواطنين مع غلاء الموز، تعالى صراخ المستهلكين من جديد مستنكرين الفوارق الكبيرة بين الواقع في الأسواق وما تروجه الحكومة عبر الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبتاريخ يومه الجمعة 24 ماي، وصلت أسعار فاكهة الموز إلى 400 دينار للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي تدعي الحكومة بأن سعرها لا يتجاوز 220 دينار.
الموز للأغنياء فقط
قبل أيام، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر بنقد لاذع للحكومة بعد استقبال رئيس حزب حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، لسفيرة المملكة المتحدة البريطانية، شارون ووردل، بطبق من الفواكه يتضمن الموز والفراولة. حيث اعتبر رواد التواصل الاجتماعي هذا التصرف إساءة لسمعة الجزائر، الدولة المعروفة بشهدائها وتضحياتها.
وأعرب الناشطون عن استيائهم من استخدام الفاكهة المستوردة في استقبال شخصية دبلوماسية، ما اعتبروه تناقضًا مع تصريحات الحكومة بشأن دعم الإنتاج المحلي.
وعبر مواطن عن غضبه قائلًا: « نحن ننتظر أن نرى الموز مزروعًا في بلادنا ونشبع منه، وهذا يستقبل السفيرة بالموز المستورد، وكأنه يستهزئ بنا ».
وشبهت تعليقات أخرى طريقة الاستقبال بالغابوية والقديمة، متسائلين عن مدى تماشي البروتوكولات المتبعة مع العصر الحديث. ووصف البعض الوضع بأنه يعيد الجزائر إلى العهود الحجرية، في إشارة إلى تخلف بعض الممارسات الرسمية.
الجزائر مصدرة للموز.. حلم أم كذبة؟
تبلغ قيمة واردات الجزائر من الموز سنويًا بين 140 و150 مليون دينار، تأتي معظمها من دول أمريكا اللاتينية، خاصة الإكوادور والبرازيل. ورغم إدراج العديد من المواد الغذائية في قائمة الممنوعات من الاستيراد في الجزائر، إلا أن الحكومة استثنت الموز من هذه القائمة.
ويحلم النظام الحاكم في الجزائر بأن يحول الجمهورية الغارقة في مستنقع الفساد، من بلد مستورد لفاكهة الموز إلى مصدرة لها، في غضون السنوات الخمس المقبلة، من خلال تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على زراعة هاته الفاكهة في الأراضي الجزائرية، وذلك بمبرر تقليص فاتورة الواردات الغذائية التي تفوق 34 مليار دولار سنويًا.
ويرى مختصون جزائريون أن الأزمة الاقتصادية في الجزائر، والتي من بين تجلياتها غلاء أسعار الموز، تبرز تحديات كبيرة تواجه الحكومة في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ورغم المبادرات لدعم الزراعة المحلية، يبقى الطريق طويلًا أمام الجزائر لتحقيق طموحاتها في هذا المجال.
وعدا الموز الذي بات اليوم فاكهة للأغنياء فقط، ما زال المواطن الجزائري يكابد المشاق للحصول على العديد من المواد الغذائية الأساسية بسبب ندرتها وارتفاع أسعارها، من بينها السميد والحليب والفواكه، كما عرفت الجزائر أزمة الزيت والبطاطس خلال الشهور الماضي.. وهو ما يفاقم الحالة الاجتماعية للمواطن الجزائري الذي يدفع ثمن استهتار حكامه بحقوقه وأمنه الغذائي...