الاستنتاج الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس الموريتاني يوم الخميس بين نواكشوط وتندوف هو أن البوليساريو ومخيماتها تم إبعادها عن مسار وبرنامج الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي. تصوروا، ولو للحظة واحدة، كل الضجيج الذي كانت ستحدثه الدعاية الإعلامية والسياسية الجزائرية لو طُلب من ولد الغزواني أن يصافح في مطار تندوف زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي.
وهذا السيناريو، الذي أراد النظام الجزائري إخراجه، مثل السيناريو الذي تم تنفيذه مؤخرا في إيرلندا، أحبطه الرئيس الموريتاني. فهذا الأخير أراد تجنب الفخ واحترام مهمته الجديدة على رأس المنظمة الإفريقية التي لم تعد معنية بقضية الصحراء المغربية.
وهل لهذا الحزم علاقة بالمأساة التي حلت بالوفد الموريتاني إثر وفاة أحد عناصر الحرس المقرب للغزواني، الذي قيل إنه توفي في حادث سير أثناء عودة الموكب الرئاسي من تدشين إلى تندوف؟ كما أصيب عضو آخر في الأمن الرئاسي بجروح خطرة وتم نقله على عجل إلى تندوف. ولكن الأمر المؤكد هو أن الرئيس الغزواني عاد على الفور إلى نواكشوط بعد هذا الحادث الغامض، في حين وعد بإرسال طائرة خاصة لنقل حارسه المصاب وكذلك رفات الضابط محمد ولد الشيباني، الذي كرمته قيادة أركان الجيش الموريتاني بعد الوفاة يوم الجمعة. أما وسائل الإعلام الجزائرية فقد تجاهلت تماما هذه المأساة، على عكس نظيرتها الموريتانية التي رأت في الفرضية التي طرحها المعلقون الجزائريون في المنفى حول احتمال وجود يد لجبهة البوليساريو التي كانت تحاول اغتيال الرئيس الموريتاني، أمرا منطقيا ومعقولا.
وعلى أي حال، فإن غياب البوليساريو خلال زيارة الرئيس الموريتاني إلى تندوف يشكل فشلا ذريعا جديدا للدبلوماسية الجزائرية التي تتجه حاليا نحو موريتانيا، بهدف وحيد هو التشويش قدر الإمكان على العلاقات بين الرباط ونواكشوط.
وهكذا، لا ترى الجزائر بعين الرضا أن تصبح موريتانيا بوابة المغرب إلى إفريقيا جنوب الصحراء والبوابة التي تهدف إلى تزويد بلدان الساحل غير الساحلية بإمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي، في إطار المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس في نونبر الماضي.
خاصة وأن الجزائر، بعد الأزمة الأخيرة مع جارتيها مالي والنيجر، وجدت نفسها، باستثناء تونس، في مواجهة خمس دول مجاورة حدودها مغلقة معها. وبالإضافة إلى المغرب وليبيا والنيجر ومالي، تم إعلان الحدود الموريتانية-الجزائرية، التي يبلغ طولها حوالي 460 كيلومترا، وهي الأقصر من بين الحدود الخمس الأخرى التي تتقاسمها الجزائر مع جيرانها في المغرب الكبير ومنطقة الساحل، منطقة عسكرية محظورة منذ أكثر من خمس سنوات لأسباب أمنية مرتبطة بالتحركات المشبوهة لميليشيات البوليساريو وغيرها من الجماعات الإرهابية الناشطة في دول الساحل المجاورة.
وتأتي زيارة محمد ولد الشيخ الغزواني إلى تندوف، والتي لم تكن مدرجة في جدول أعماله، في أعقاب ضغوط جزائرية مكثفة، تميزت بالمكالمات الهاتفية المتكررة من تبون إلى الرئاسة الموريتانية، والزيارة الأخيرة التي قام بها أحمد عطاف، رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى نواكشوط، سلم خلالها رسالة مكتوبة من تبون إلى الرئيس الموريتاني، يدعوه فيها إلى القيام بزيارة عمل إلى الجزائر.
وأخيرا، فإن الزيارة الثانية التي قام بها الغزواني إلى الجزائر، بعد الزيارة الرسمية التي استغرقت ثلاثة أيام إلى الجزائر ووهران، والتي تمت قبل أقل من 26 شهرا (دجنبر 2021)، فشلت فشلا ذريعا. إن تدشين منطقة حرة ومعبر حدودي، وإطلاق بناء طريق تندوف-الزويرات، وهو المشروع المطروح منذ 1972 (مشاريع ستوضع، كالعادة، في الرفوف، لأنها غير قابلة للتنفيذ)، ليست في الواقع إلا مشاريع وهمية لا يعرف النظام الجزائري ماذا يريد بها بالضبط، باستثناء استغلال الفرصة لإظهار عدائه للمغرب.
كما تساءلت الوسيلة الإعلامية الموريتانية «تقدم» عن فائدة هذه المشاريع وما الذي تبحث عنه الجزائر حقا في رغبتها في الوصول إلى المحيط الأطلسي مهما كان الثمن انطلاقا من السواحل الموريتانية البعيدة، بعد أن فشلت في ذلك منذ نصف قرن من خلال اختلاق الصراع الوهمي حول الصحراء المغربية؟ الطريق المعبدة الممتد من تندوف إلى الزويرات، على مسافة 840 كلم عبر كثبان من الرمال المتحركة وصحراء غير مأهولة، تحتاج إلى تمويل ضخم وصيانة متواصلة وقوات أمنية كبيرة تراقبها باستمرار، وكل ذلك مقابل نتائج اقتصادية غير مؤكدة على الإطلاق. أما بالنسبة للمنطقة الحرة الجزائرية-الموريتانية، فمن المشروع أن نتساءل عما يمكن حقا تبادله بين بلدين لا ينتجان شيئا، باستثناء استخراج وتصدير المواد الخام غير المصنعة؟.