منع أي مظاهرة تضامنية مع فلسطين يثير فضيحة في الجزائر. وبعد قمع عدد من محاولات التظاهر في الجزائر العاصمة منذ الأسبوع الأول لاندلاع حرب غزة بين حماس والجيش الإسرائيلي، اضطرت الطغمة العسكرية الجزائرية إلى تنظيم مظاهرة صورية دعما لفلسطين، شارك فيها بشكل رئيسي جنود بزي مدني وعائلاتهم. إن مظاهرة 19 أكتوبر، والتي بثها التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة (التلفزيون الذي بالمناسبة لم يعرض قط صورة واحدة من مظاهرات الحراك)، والتي كانت تهدف إلى تهدئة حماسة الجزائريين، لم يتم تنظيمها مرة أخرى قط، في حين أن الحرب في غزة مازالت مستعرة وأن الجزائريين يطالبون عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالسماح لهم بتنظيم مسيرات تضامنية.
صحيح أنه في الجزائر، صدر مرسوم بحظر المظاهرات في الشوارع في يونيو 2021 من قبل الحكومة التي جعلت الترخيص لها مشروطا بالتحديد المسبق للمنظمين، وتقديم الشعارات ومحتويات اللافتات، وكذلك الأوقات ومسار المسيرات.
في مقال نشر يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان: «الجزائر غائبة عن الدعم الدولي لفلسطين»، كتب موقع «orientxxi.info» أنه إذا لم يتخل الجزائريون أبدا عن دعمهم لفلسطين، فهم «الآن بلا صوت، وتمثلهم سلطة جبانة لم يعد لها أي وزن على الساحة الدولية».
إن رفض الطغمة العسكرية الجزائرية السماح بتنظيم مظاهرات من أجل فلسطين له سببان. فمن ناحية، يتعلق الأمر بالاستمرار في تشديد الخناق على حرية التعبير بشكل جذري خوفا من عودة مسيرات الحراك السلمية التي تهدد بقاء نظام الجنرالات.
ومن ناحية أخرى، «يتعلق الأمر بعدم إغضاب الولايات المتحدة، خاصة وأن الحليف الروسي المفترض لم يجنب الجزائر خيبة الأمل من رفض طلبها للانضمام إلى مجموعة بريكس. وقد شعر بالفشل بشكل كبير من هم في السلطة، خاصة وأنهم كانوا يعتبرون العضوية أمرا مفروغا منه، وقدم من قبل وسائل إعلام النظام على أنها «تأكيد» لعودة الجزائر إلى الساحة الدولية» كما كتب الموقع المذكور، قبل أن يضيف أن الروس حافظوا أيضا على علاقات جيدة مع المغرب، الذي تعتبره الجزائر عدوها اللدود، ومع مالي، التي قطعت علاقاتها مؤخرا مع النظام الجزائري الذي تتهمه –عن حق– بكل الشرور التي تعيشها منطقة الساحل.
في فاتح فبراير، قامت الجزائر، وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن، بصياغة مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ووزعته على ممثلي الدول الأعضاء الأخرى. لكن بمجرد أن أعربت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، عن رفضها مناقشة مشروع القرار هذا، الذي وصفه بأنه سيأتي بنتائج عكسية لأنه «من شأنه أن يضر بالمفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس من أجل هدنة أخرى في غزة»، تراجع ممثل الجزائر في الحين. لكنه أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد: أن يبين للجزائريين أن مشروع قراره الذي ولد ميتا هو دعم للفلسطينيين، بينما يخضع للأمريكيين بسحب مشروع القرار المذكور الذي كان يعلم أنه لن يكون لديه أدنى فرصة لتمريره.
ومن ثم، فإن الفعل الدبلوماسي الجزائري، على المستوى الدولي، بعيد كل البعد عن أن يعكس التزامها المزعوم تجاه القضية الفلسطينية. إن الرفض الديكتاتوري، داخليا، للسماح للجزائريين بالتظاهر في الشوارع لدعم سكان غزة يتناقض بشكل مؤسف مع ما يحدث في العواصم المغاربية الأخرى، وكذلك في العديد من المدن الكبرى عبر القارات الخمس، حيث يتم تنظيم المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بانتظام منذ أكتوبر الماضي.
قبل أيام قليلة من الاحتفال بذكرى اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر، في 22 فبراير 2019، لا بد من إبداء ملاحظة. كل الظروف التي يمكن أن تدفع الجزائريين للعودة بشكل عفوي إلى الشوارع للتنديد بالسلطة العسكرية التي تحكمهم منذ الاستقلال موجودة. وبالفعل، فإن الوضع العام للبلاد يسير من سيء إلى أسوأ، في سياق يتسم، من جهة، بالركود الاجتماعي والاقتصادي المتمثل في تدهور القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من الجزائريين، نتيجة الزيادات المتتالية وندرة المواد الأساسية (الحليب والسميد والبقوليات والبيض واللحوم وغيرها)، ومن جهة أخرى، خنق الحريات العامة النادرة التي كانت متاحة في عهد عبد العزيز بوتفليقة (1999 -2019)، في حين يتم حظر الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي تنتقد الحكومة، ويحكم على المستخدمين فيها بأحكام سجن قاسية.
هذا الخوف من عودة الحراك هو أيضا وراء الصمت الذي تفرضه جماعة الجنرالات على الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المضطر إلى عدم الإعلان عن نيته الترشح لولاية ثانية، علما أنه حتى قبل أن يبدأ ولايته الأولى، كان محط انتقاد شديد من قبل الحراك الذي اعتبره دائما رئيسا فرضه الجنرالات. فالشعار المركزي للفصل الثاني من الحراك هو: «تبون المزور، جابوه العسكر».
موضوع آخر يهز النظام الجزائري. موضوع اسمه جمال بلماضي. فبينما قررت الطغمة العسكرية فسخ عقد مدرب الثعالب من جانب واحد، دعا العديد من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الخروج إلى الشوارع للإبقاء على المدرب جمال بلماضي في منصبه. وتم تحديد موعد التظاهرة المؤيدة لبلماضي يوم 22 فبراير. وهذا كاف لإيقاظ كل الشياطين التي تهز الأساس الهش للنظام الجزائري.
وفضلا عن ذلك، فإن هذه الدعوات للتظاهر كانت ربما وراء التأجيل إلى أجل غير مسمى للمباراة التي كانت ستجمع مولودية الجزائر بنجم بن عكنون، الذي كان مقررا مبدئيا يوم الجمعة 9 فبراير. «تم تأجيل لقاء الدورة 16 من بطولة موبيليس الاحترافية، والذي كان من المقرر أن يجمع نجم بن عكنون ضد مولودية الجزائر يوم الجمعة 9 فبراير 2024، إلى موعد آخر، وذلك بناء على طلب ولاية الجزائر العاصمة. وجاء هذا القرار بالاتفاق مع السلطات المختصة في إطار التدابير الوقائية المتخذة لضمان أمن المباريات الرياضية»، وفق ما جاء في بيان لرابطة كرة القدم المحترفة صدر يوم الثلاثاء الماضي.
الملاعب تخيف هي أيضا النظام الجزائري. وسنرى كيف سيواجه هذا الأخير العودة الحتمية للحراك الشعبي.