يبدو أن تبون، الذي يطمح للبقاء في السلطة لخمسة أعوام إضافية، يعتقد أن بإمكانه استمالة الناخبين من خلال وعود غير واقعية وأرقام مبالغ فيها. آخر هذه الادعاءات كان خلال تجمع انتخابي في وهران يوم الأحد 25 غشت، حيث زعم أن الاقتصاد الجزائري أصبح « ثالث أقوى اقتصاد في العالم ».
هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، بل أثار سخرية واسعة بين الجزائريين الذين يدركون تمامًا حجم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
لمَ يهرب الجزائريون من القوة الاقتصادية؟
وجر هذا الادعاء على تبون، الذي لا يتقن غير الأكاذيب، الكثير من السخرية والتندر من طرف مواطنين جزائريين، حيث واجهوه بالحقائق الصادمة التي يحاول هو جاهدا إخفاءها بالأكاذيب والنفخ في الأرقام والتقارير الزائفة.
ومن سخرية القدر أنه بينما يحاول تبون تزيين صورة البلاد بادعاءات كاذبة، تتناقل الصحافة الجزائرية والإسبانية تقارير عن تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حيث يفضل العديد من الجزائريين المخاطرة بأرواحهم عبر قوارب الموت بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.
وتشير هذه التقارير إلى أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالجزائر استفحلت بكثرة خلال هذه الأيام، ولم تعد تقتصر فقط على الشباب الحالم بالفردوس الأوروبي، بل باتت تشمل النساء والأطفال والحوامل وأيضا الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يكشف عن مدى اليأس الذي تعيشه العائلات الجزائرية تحت حكم نظام العسكر.
واستغل بعض المواطنين هذه المناسبة لتوجيه الكلام إلى تبون، عبر تعليقات في أسفل الفيديوهات المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجرائد والصحف الجزائرية، متسائلين عن سبب استمرار موجات الهجرة إذا كانت الجزائر حقاً بهذا المستوى من القوة الاقتصادية.
وكتب مواطن جزائري تعليقا لا يقل نباهة عن الأول، حين تحدى « عمي تبون » بأن يفتح الحدود أمام الجزائريين إذا كان هو نفسه مقتنعا بانهم لن يغادروا البلاد التي يحاول تلميعها بشعاراته الزائفة.
وهكذا، ففي الوقت الذي يحاول العسكر الحاكم ومرشحه تبون أن يلمع صورة البلاد ويحاول إيهام الناخبين بالتغيير.. في محاولة من النظام ضمان الاستمرار في الحكم خلال الخمس سنوات المقبلة، فإن الشعب قد فطن بكل أساليب النظام العسكري المستولي على الحكم، لذلك لم يعد يصدق الوعود الانتخابية بعدما خبر، بالتجربة والبرهان، أنها مجرد أقاويل.
« موسيو بلابلا »
أصبح اليوم أولئك الجزائريين الذين كانوا يرون في « عمي تبون » الرجل المناسب لمواصلة تحقيق « الجزائر الجديدة »، أكثر يقينا بأن أملهم قد تحول إلى سراب، بعدما تبين لهم بأن المرشح الذي كانوا يعلقون عليه آمالهم لم يعد يُنظر إليه سوى كشخص يطلق التصريحات الجوفاء التي تفتقر إلى أي حلول واقعية للأزمات المتفاقمة في البلاد.
وبسبب كثرة الوعود الكاذبة وغير الواقعية، أطلق عدد من الجزائريين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، لقب « موسيو بلا بلا » على الرئيس الذي يبدو أنه لا يملك القدرة على السيطرة على لسانه حين يكون أمام الكاميرات والميكروفونات، فيطلق العنان لخياله الواسع ويبني المشاريع الضخمة فوق الرمال المتحركة ويعد بالزيادة في الأجور وهو يعلم استحالة تطبيقها بسبب انهيار الاقتصاد المرتبط بريع النفط والغاز.
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: العطش يباغت تبون وهو يعِد الجزائريين بالقضاء على أزمة الماء
في الحاجة إلى حلول حقيقية
في ظل هذا المشهد المضبب، طالب مواطنون جزائريون تبون بالتوقف عن إطلاق الوعود الكاذبة والتركيز على إيجاد حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد. فقد بات الشعب الجزائري مدركًا أن سياسة الريع وتوزيع المنح والعلاوات لم تعد كافية لإخراج البلاد من أزمتها، بل إن المطلوب هو إطلاق مشاريع تنموية حقيقية توفر فرص عمل للشباب وتعيد الأمل للنفوس اليائسة.
لكن أطرف نصيحة هي تلك وجهها مواطن جزائري إلى الرئيس المقبل على عهدة ثانية، حين دعاه إلى الكف عن إقحام القضية الفلسطينية في حملته الانتخابية، لأن ذلك –حسبه- يضحك عليه الأمم.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يتأكد أن الجزائريين قد فطنوا لأساليب النظام العسكري الحاكم، ولم يعودوا يعولون على الوعود الانتخابية التي اختبروها في الماضي. والآن، يتطلع الشعب إلى واقع أفضل، مبني على الحقائق لا على الأكاذيب.