بينما كانت الملاعب المغربية تشتعل بحماس الجماهير وتنبض بالحياة تحت أضواء كاشفة لا تعرف الانقطاع، كان هناك «فريق» آخر يلعب في الظلام، بعيدا عن المستطيل الأخضر. إنه «منتخب» الإعلام الموجه من ثكنات الجزائر، الذي حاول بجهد جهيد إقناع العالم بأن المغرب يعيش في العصر الحجري، قبل أن تأتي الصدمة من حيث لا يحتسب النظام: من هواتف المشجعين الجزائريين أنفسهم.
مسرحية « الظلام» الكوميدية
بلغت السخرية ذروتها حين قرر أحد المراسلين الجزائريين تقديم رسالة مباشرة من قلب العاصمة الرباط. وبدلا من اختيار الشوارع المضاءة أو محيط ملعب مولاي عبد الله الذي يتلألأ بالأنوار، بحث بجهد جهيد عن «زاوية معتمة» قرب شاطئ البحر في جوف الليل، ليظهر المغرب وكأنه يعيش عصور الظلام بسبب انقطاع الكهرباء.
ولم يكتف بذلك، بل استعان بموهبته التمثيلية متظاهرا بعدم سماع المذيع في الأستوديو، مدعيا أن صبيب الإنترنت ضعيف، بينما كان المشجعون الجزائريون يوثقون عبر «البث المباشر» وبسرعة «4K» القطار فائق السرعة «البراق»، جولاتهم في أفخم مراكز التسوق وأرقى الأحياء التي تفصلها عن واقع «الجزائر القوة الضاربة» سنوات ضوئية.
الإعلام الجزائري وفن التضليل
ولأن النجاح التنظيمي المغربي كان مؤلما بالنسبة لحكام الجارة الشرقية، فقد لجأ الإعلام الرسمي لبلاد «القوة الضاربة» إلى حيل «الإخراج المسرحي». إذ تم رصد مراسلين جزائريين يلقنون المشجعين ما يجب قوله أمام الكاميرا: «قولوا إنه لا توجد تذاكر.. قولوا التنظيم فاشل».
ووصل الاستخفاف بالعقول إلى حد بث التلفزيون الجزائري الرسمي مشاهد لأوحال التقطت في أسواق أسبوعية نائية وصور فيضانات قديمة، مرفوقة بتعليقات مسيئة للمغرب تزعم بأنها من محيط ملاعب «كان 2025».
لكن الرد جاء من المدرجات نفسها؛ حيث وثق مشجعون جزائريون، عبر «لايفات» بمختلف منصات التواصل الاجتماعي، ملاعب بمواصفات دولية لا تبتلعها سيول الأمطار، وجماهير مغربية تهتف باسم الجزائر في عناق أخوي أسقط أقنعة التحريض التي يرتديها نظام العسكر لسنوات ضد المغرب والمغاربة.
جزائريون يسقطون القناع
الحقيقة التي لم تستطع عدسات «العسكر» حجبها هي تلك الصدمة الحضارية التي عاشها المشجع القادم من الجارة الشرقية. في المغرب، الذي لا يملك آبارا للنفط، وجد الجزائري قطارات فائقة السرعة، وطرقا سيارة تربط أطراف المملكة، وأمنا يجعل التجول ليلا نزهة ممتعة.
السؤال الحارق الذي انفجر في منصات التواصل لم يكن كرويا، بل كان سياسيا بامتياز: «أين ذهبت مليارات الغاز والنفط في بلادنا إذا كان جيراننا قد حققوا كل هذا بدونهما؟».
لقد كانت الرحلة من الجزائر إلى المغرب بالنسبة لآلاف المشجعين بمثابة «سفر عبر الزمن». جاؤوا محملين بصورة سوداء رسمتها آلة الدعاية، ليصطدموا بواقع «السنوات الضوئية» التي تفصل بين البلدين. شاهدوا الطرق السيار، والمطارات الحديثة، والأمن الذي يجعل التجول ليلا نزهة ممتعة، في وقت لا يزال فيه الخطاب الرسمي في بلادهم يقتات على «مؤامرات المخزن».
هذه «الصفعة الشعبية» التي تلقاها نظام الثنائي عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة لم تأت من قنوات أجنبية، بل جاءت بلهجة جزائرية قحة، من أفواه مواطنين عاينوا الفرق بين دولة تخطط للمستقبل وتستعد لاستقبال المونديال، وبين نظام ريعي يفشل في توفير أبسط شروط العيش الكريم لمواطنيه رغم بحار البترول.
إن احتضان المغرب لهذه البطولة كشف أن الخوف الأكبر للنظام العسكري لم يكن خسارة المنتخب في الملعب، بل كان اكتشاف المواطن الجزائري للحقيقة بعينيه. كل فيديو صوره مشجع جزائري بهاتفه من المغرب كان بمثابة «رصاصة رحمة» على إعلام التضليل.
لقد سقطت رواية «المغرب الوهمي» تحت أقدام المشجعين الذين اكتشفوا أن «العدو الكلاسيكي» ليس سوى بلد شقيق يعمر ويبني، بينما ينشغل نظامهم بصناعة الأوهام وفبركة الظلام في مدن تضيء القارة بأكملها.







