في مقابلة مع قناة AL24 News التلفزيونية العمومية، وهي أحدث وسيلة إعلامية دعائية مرتبطة مباشرة بالرئاسة الجزائرية، وجد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف صعوبة في إخفاء ارتباكه التام. فمن الناحية الشكلية، بدا رئيس الدبلوماسية الجزائرية مذهولا، وعلى وجهه علامات الخيبة، وكانت لغته مهزوزة، وكأنه يدرك أن ما سيقوله لن يقنع أي شخص في الجزائر، بالنظر إلى أن الانتكاسة الدبلوماسية التي ألحقها المغرب والمجتمع الدولي ببلاده تاريخية في حجمها.
عندما طلب منه في البداية شرح «التغيير» الكبير (حسب تعبير أحد الصحفيين الذين قابلوه) الذي طرأ على قضية الصحراء هذا العام في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اختار أحمد عطاف أولا التقليل من دور هذا الجهاز التنفيذي الأممي. ووفقا له، فإن مجلس الأمن يعقد اجتماعين سنويين، لا يخصصان لجوهر ملف الصحراء، ولكن فقط لتقييم ما يسميه «أعمال المينورسو» في أبريل، ثم، خلال اجتماع أكتوبر، لتمديد ولاية هذه البعثة تلقائيا لمدة عام.
من الواضح أن هذا الوضع القائم، أو «التقليد» لمجلس الأمن، كما وصفه عطاف، هو ما ترغب الجزائر في الإبقاء عليه إلى ما لا نهاية، والذي تم كسره هذه المرة عبر اعتماد المخطط المغربي للحكم الذاتي كقاعدة للمفاوضات الهادفة إلى إنهاء هذا النزاع المفتعل.
هذا التوجه الجديد والحاسم لصالح الاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه هو ما حاول عطاف جاهدا، وبطريقة غير موفقة، إخفاءه من خلال الكذب والإنكار التام.
فمن جهة، تجاهل عمدا الدور الجوهري لأعضاء مجلس الأمن، وخاصة القوى العالمية التي تعترف علانية بمغربية الصحراء، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا العظمى، في صياغة القرار 2797. لم يذكر كلمة واحدة عن الولايات المتحدة، التي تعد المُعد الرئيسي لهذا النص، ولا عن أغلبية الدول (11 من 15) التي صوتت لصالح هذا القرار، والذي لم تعارضه أي دولة.
فضّل عطاف اتهام المغرب مباشرة بانتهاز فرصة تجديد ولاية «المينورسو» من أجل «القيام بمرور بالقوة» بهدف «تضمين ثلاث أفكار تهمه بشكل خاص. الفكرة الأولى هي تفكيك المينورسو أو تغيير جذري لمهمتها، والثانية هي فرض مخطط الحكم الذاتي كحل وحيد وحصري لمشكل الصحراء الغربية، والثالثة هي القضاء نهائيا على فكرة استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية. هذا هو ما كان وراء هذا الاهتمام الخاص الذي لمسناه هذا العام حول الصحراء الغربية».
لكن ليس المغرب هو من يطالب بتفكيك «المينورسو»، بل القوى التي تمولها والتي ترى أنه لم يعد لها مبرر لوجودها اليوم. وفي الواقع، فإن مجرد كون المسودة الأولية للقرار 2797 قد نصت على تقييد ولايتها بثلاثة أشهر فقط، يعد بالفعل مؤشرا على زوالها المستقبلي. لقد اعترفت الأمم المتحدة، منذ عدة سنوات، بأن الاستفتاء الذي أنشئت هذه البعثة من أجله غير قابل للتحقيق وتم إقصاؤه نهائيا. يبدو أن الجزائر تؤكد «لا تفعلوا ما أقول»، وهي أول من طالب بتغيير دور «المينورسو» من خلال الدعوة، لسنوات، إلى تحويلها إلى مراقب لحقوق الإنسان في المغرب!
فيما يتعلق باعتماد المخطط المغربي للحكم الذاتي من قبل مجلس الأمن، ينسى عطاف أن المهم هو أنه أصبح، وهذه سابقة ذات أهمية، أساس كل حل للتسوية النهائية للنزاع المفتعل حول الصحراء. لم يذكر أي حل آخر إلى جانبه، خاصة وأن المخطط المغربي يتضمن في جوهره مبدأ تقرير المصير الذي يشير إليه القرار 2797 في هذا الإطار وحده.
لكن أكبر كذبة أطلقها أحمد عطاف خلال ظهوره التلفزيوني هي تأكيده أن القرار 2797 نص على «استفتاء لتقرير المصير» في الصحراء، قبل أن ينفي ذلك بنفسه لاحقا معترفا بأن النص «لا يتضمن كلمة استفتاء»، لكنه أشار «بشكل غامض» إلى هذه الفكرة، إلى جانب المخطط المغربي للحكم الذاتي.
الأخطر من ذلك، أكد وزير الخارجية الجزائري أن المغرب لم يحصل على ما يريده، لأن كلمة «السيادة» لا تظهر في قرار مجلس الأمن. غير أن القرار 2797 يذكر نصا وروحا أن «الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر قابلية للتحقيق». نعم «تحت السيادة المغربية». العبارة مؤلمة بالتأكيد. ولكن أن يصل الأمر بوزير الخارجية الجزائري، وهو وزير دولة، إلى إنكار وجودها في نص لا يتجاوز صفحتين، فإن ذلك يعطي صورة عن مدى هزيمة نظام لم يعد يملك سوى الكذب والإنكار كأدوات لتقديم الحسابات للجزائريين.
في موضع آخر من المقابلة، ناقض عطاف نفسه. فقد أكد أن بلاده طلبت حذف البند الذي يذكر السيادة المغربية في ديباجة القرار، وأن الجزائر في المقابل ستصوت لصالح هذا النص. «لم يتم حذفها. ولهذا السبب لم تشارك الجزائر في التصويت»، هكذا كذب عطاف مرة أخرى. وإلا فكيف نفسر رفض الجزائر المشاركة في التصويت على قرار الصحراء العام الماضي، في حين أن نص عام 2024 لم يكن يذكر بالفعل عبارة «السيادة المغربية»! يجب أن نتذكر دائما أن الجزائر رفضت المشاركة في التصويتين على الصحراء الغربية خلال العامين اللذين شغلت فيهما مقعدا كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 2024 و2025. وفي 31 ديسمبر من هذا العام، ستتخلى الجزائر عن مكانها لبلد آخر في مجلس الأمن. ولن تحضر الاجتماع «الاستراتيجي» في أبريل 2026 حيث سيقوم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، بإبلاغ أعضاء المجلس بحالة التقدم في المباحثات بين المغرب والجزائر و«البوليساريو» وموريتانيا على أساس الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء.
وفي جزء آخر من مقابلة عطاف: لم يكف عن التأكيد خلال المقابلة بأن القرار يأمر «الطرفين المغرب والجبهة البوليساريو» بالدخول في مفاوضات. لكن القرار 2797 لا يتحدث أبدا عن طرفين، بل عن الأطراف. والأفضل من ذلك: هذا القرار يسمي «البوليساريو» مرة واحدة فقط على قدم المساواة مع الجزائر. وإذا كان القرار يتحدث عن الأطراف، فهذا يعني أن الجزائر هي طرف ومن المتوقع منها أن تجلس حول طاولة المفاوضات مع المغرب و«البوليساريو» وموريتانيا للتوصل إلى حل في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
أسباب الإنكار
تجد أكاذيب وإنكار أحمد عطاف تبريرها في نصف قرن من النفقات التي ذهبت هباء من قبل الأنظمة العسكرية المختلفة التي تعاقبت على السلطة في الجزائر. يحق للجزائريين اليوم المطالبة بتفسيرات لهذا الفشل، الذي كانوا هم ضحيته الرئيسية.
خلال الخمسين عاما الماضية، تم تبديد أكثر من 600 مليار دولار، كان من المفترض أن تستخدم لتنمية الجزائر بفضل العائدات الكبيرة من محروقاتها، في دعم الانفصال المعادي للمغرب عسكريا ودبلوماسيا.
بالطبع، لم يتم الكشف أبدا عن الأرقام الدقيقة للمبالغ الهائلة التي بددها الجيش والدبلوماسية الجزائريان على «البوليساريو»، لأنها تتجاوز التصور.
اكتفى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالاعتراف، في 18 يوليوز الماضي، خلال آخر أحاديثه الدورية مع وسائل الإعلام الجزائرية بقوله: «لقد أهدرنا ثروات ومليارات الدولارات لصالح البوليساريو».
وكان بذلك يرد على صحفي أشار إليه بأن «الجزائر خسرت كل شيء»، في إشارة ضمنية إلى المبالغ الهائلة التي استثمرت دون جدوى في ملف الصحراء، مع الإشارة إلى الافتقار إلى البراغماتية في الدبلوماسية الجزائرية.
في عام 2019، كان عمار سعداني، الأمين العام السابق لـ«جبهة التحرير الوطني» (FLN)، والرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري)، قد قدر، في حد أدنى، أن الأنظمة الجزائرية المتعاقبة أنفقت، منذ عام 1975، أكثر من 500 مليار دولار في دعمها لـ«البوليساريو» وحده.
في عام 2014، كرر سعداني التأكيد بقوله: «إن الأموال المدفوعة لـ«البوليساريو»، التي يتجول بها أعضاؤه منذ خمسين عاما في الفنادق الفاخرة، يجب أن تعود إلى سوق أهراس والبيض وتمنراست ومدن أخرى».
يا له من هدر كبير عندما نتخيل أن هذه الثروة كلها كان يمكن أن تغذي أيضا صندوق ضبط الإيرادات (FRR)، الذي وصل أحيانا الى جفاف تام، كما حدث في عام 2017، أو صندوق سيادي جزائري كان إنشاؤه حتى الآن فشلا. ويرجع ذلك ليس فقط الى الفساد الشهير للأوليغارشية الجزائرية، العسكرية على وجه الخصوص، ولكن أيضا الى الفاتورة الباهظة التي يكلفها دعمها الأعمى للانفصال المعادي للمغرب على الجزائر.
بينما تنفق مئات المليارات لصالح «البوليساريو»، يعاني الجزائريون ويفتقرون الى كل شيء، بسبب البطالة المستوطنة بين الشباب (70% من السكان تقل أعمارهم عن 30 عاما)، والنقص المتكرر في السلع الأساسية... وهي أزمة تجعل من الجزائر واحدة من الدول النفطية النادرة في العالم التي يهاجر مواطنوها يوميا بالمئات، مخاطرين بحياتهم، نحو أوروبا، بحثا عن الحرية وسبل العيش.
كل هذا هو ثمرة لحكم سطحي وغير عقلاني أدى اليوم إلى توليد عائدات فشله، وهو فشل ناتج عن سياسة «الشيكات» وحدها التي اعتمدت عليها دائما للدفاع، ليس عن مصالح الجزائريين، بل لمواجهة المغاربة بطريقة مرَضية.
هذه دبلوماسية أثقلها لعبها المزدوج غير الصحي، المتمثل، من جهة، في رفض قبول وضعها كطرف رئيسي معني في ملف الصحراء، بالاختباء أحيانا وراء ستار المراقب النزيه في هذا الملف، ومن جهة أخرى، بتقديم نفسها علنا في المحافل الدولية على أنها المعني الرئيسي والطرف الذي يجب الخشية منه بشدة في حال اتخاذ موقف موات لسيادة المغرب على الصحراء. هذا ما أدى في النهاية إلى جعل «البوليساريو» غير مرئي ووضع الجزائر تحت الأضواء. فالأزمة المفتوحة مع كل من مدريد وباريس هي دليل واضح على إعلان الجزائر أنها هي الطرف المتنازع في ملف الصحراء.
المنعطف الكبير
حالتان رئيسيتان، تعاقبتا في نهاية عام 2020، وضعتا حدا لهذا اللعب الغامض.
كانت العملية العسكرية الباهرة، التي قادها الجيش المغربي، في 13 نوفمبر 2020، حاسمة. فهي لم تؤمن بشكل دائم المعبر الحدودي الاستراتيجي الكركرات، على الحدود المغربية الموريتانية، فحسب، بل كشفت أيضا عن الطابع التخريبي، بل الإرهابي لـ«البوليساريو»، الذي تتلاعب به الجزائر.
وبعد أقل من شهر، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وهو الاعتراف الذي وقعه رسميا دونالد ترامب في 10 ديسمبر 2020.
هذا القرار، الذي نزل كالصاعقة على رؤوس الدبلوماسية الجزائرية، تبنته أيضا أقوى دول أوروبا، مثل إسبانيا وفرنسَا والمملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا وبولندا...
في مواجهة هذا المد الهائل من الدعم القوي لمغربية الصحراء، حاولت الجزائر أن توهم بأن ملف الصحراء ليس هو سبب خلافاتها مع المغرب. فذهبت للتنقيب في التاريخ القديم لتتهم المغرب بالتواطؤ المزعوم في اغتيال يوغرطة، ولتتهمه بإشعال حرب الرمال عام 1963، قبل أن تفرض التأشيرات على الجزائريين في أعقاب الهجوم الإرهابي على أسني مراكش عام 1994. أعذار واهية. ولإضفاء المصداقية على هذه الاتهامات، استخدمت بشكل زائف لتبرير القطع الأحادي للعلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وإغلاق أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب، ومنع الطائرات المغربية من التحليق فوق المجال الجوي للجزائر، وفرض التأشيرات على المغاربة الذين يدخلون الجزائر...
كل هذه الإجراءات المعادية للمغرب اتخذت في الواقع لإخفاء تراكم الإخفاقات التي سجلتها الدبلوماسية الجزائرية بشأن ملف الصحراء.
وعلاوة على ذلك، فبسبب الصحراء تحديدا قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية تقريبا مع إسبانيا في عام 2022، ثم دخلت في أزمة مفتوحة مع فرنسَا في عام 2024.
من خلال هذه التصرفات الدبلوماسية الغاضبة، أغلقت الجزائر على نفسها في عزلة دولية وإقليمية غير مسبوقة، لدرجة أن حليفها الاستراتيجي، روسيا، بعد أن رفضت انضمامها الى مجموعة «بريكس»، ذكّرتها الآن بنزعاتها الشديدة للصراع تجاه جيرانها، والطابع المصطنع لحدودها «التي رسمها الاستعمار بالمسطرة». هذا الحليف الاستراتيجي للجزائر هو الذي ذكّرها أيضا، قبل أسبوعين فقط، بأن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء هو أكثر مصداقية وجدية في نظر المجتمع الدولي، لأنه يلبي معيار تقرير المصير الذي تتمسك به الجزائر.
اليوم، يجد النظام الجزائري نفسه عاريا أمام الجزائريين. ولأنه لا يعرف كيف يبرر هذه الكارثة الدبلوماسية التي ألحقها به المغرب والمجتمع الدولي، ولا كيف يفسر كيف ضاعت مئات المليارات من الدولارات التي حرم منها الشعب الجزائري بشكل غير قانوني، فقد اختار الكذب والإنكار. ومن هنا نتفهم أن أحمد عطاف، وزير الدولة ورئيس الدبلوماسية الجزائرية، لم يجد أي وسيلة أخرى سوى أن يكذب بشكل مفرط.




