مصطفى الطوسة يكتب: تبون متروك.. معزول ومحاصر

مصطفى الطوسة

في 20/10/2025 على الساعة 18:30

مقال رأيمنذ وصول عبد المجيد تبون إلى السلطة عام 2019، عمل النظام الجزائري بشكل منهجي على تعكير علاقاته مع الجميع تقريباً. فالدينامية التي أطلقها تبون، والمبنية على التبجح غير العقلاني، والأحقاد المزمنة، والعدائية المجانية، انتهت بخلق فراغ حقيقي حول السلطة في الجزائر.

سؤال يتكرر كثيراً في بعض الأوساط الناشطة بالجزائر يلخص هذه العزلة العميقة التي يعيشها الرئيس عبد المجيد تبون: من هم اليوم حلفاء النظام الجزائري؟ الجواب لا يحتاج إلى كثير من الكلمات، ولا إلى عدد كبير من الأصابع. فأصدقاء السلطة في الجزائر قلة نادرة، حتى إن ادعاء وجود « حفنة » منهم يبدو نوعاً من المبالغة.

إحدى أبرز الدلائل على هذا العزلة تتجلى في مستوى التمثيل الباهت في أي حدث دولي تنظمه الجزائر. فلا أي شخصية بارزة في الساحة العالمية تكلّف نفسها عناء الحضور. وبمرور الوقت، تحولت العاصمة الجزائرية إلى محطة للوجوه الثانوية والمنبوذة سياسياً، بعيداً عن الدوائر التي تُصنع فيها فعلاً موازين القوى والأحداث الدولية.

ومن علامات الزمن، ودليل على مستوى « الهيبة » في محيط النظام الجزائري، أن أبرز من يُصنّفون «ضيوف شرفه» هو الرئيس التونسي قيس سعيد، يتبعه كعادته زعيم انفصاليي البوليساريو إبراهيم غالي.

الرئيس تبون، مثل كل من يعانون من العمى السياسي، يرفض رؤية حقيقة العزلة والمقاطعة التي تحيط به. ففي آخر خطاب له أمام كبار قادة الجيش، حاول بيع رواية معاكسة، معدداً الدول الخليجية التي قال إن الجزائر تربطها بها علاقات ممتازة، باستثناء دولة «لا يريد ذكر اسمها» — في إشارة واضحة إلى الإمارات العربية المتحدة — وهو تصريح تحول سريعاً إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث صار تبون رمزاً للسذاجة السياسية.

«لقد نجح النظام الجزائري في أن يجعل العالم بأسره تقريباً ضده. وبسبب استفزازاته وعدائه غير المحسوب، تحول إلى نظام منبوذ دولياً، ومصدر للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة»

—  مصطفى الطوسة

وكعادته، استدعى تبون مجدداً أسطورة « الضحية »، زاعماً أن الجزائر بلد يُحسد على خيراته لكنه محاط بقوى خفية تسعى لزعزعته. ففي عهده، بلغت ثقافة المؤامرة ذروتها.

اليوم، تبدو الدبلوماسية الجزائرية كأنها حقل أنقاض، مملوء بالقطيعة والألغام والأسلاك الشائكة. فمع المغرب، القطيعة كاملة، في ظل حرب باردة لم يعد أحد يحاول حتى إخفاء ملامحها. أما في منطقة الساحل، فالعلاقات تلامس حد الانفجار أو المواجهة العسكرية، إذ تتهم باماكو الجزائر صراحة بدعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة.

وفي العالم العربي، أصبحت الشكوك هي القاعدة. أما العلاقات مع الاتحاد الأوروبي فتتراوح بين التوتر واللامبالاة. الأزمة مع إسبانيا — رغم إعلان انتهائها رسمياً — وتلك المستمرة مع فرنسا، جعلتا النظام الجزائري يُصنَّف ضمن الأنظمة غير المستقرة وغير الموثوقة في شمال إفريقيا.

عبد المجيد تبون لم يعد مرحباً به في أي مكان، بل على العكس، حضوره يثير الحرج والارتباك إلى درجة أن الدول تسعى إلى تجنبه. ومؤخراً، حاول النظام الجزائري عبثاً انتزاع دعوة لتبون لحضور قمة شرم الشيخ المخصصة للاحتفال بوقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن المحاولة فشلت، فالرئيس الجزائري ما زال شخصية غير مرغوب فيها على الساحة الدولية. سياسته ونظامه باتا أشبه بمادة مشعة سياسياً، يتجنبها الجميع، حتى أكثر المنتديات الدبلوماسية انفتاحاً.

أما العلاقة مع روسيا، فآخذة في التدهور بشكل واضح. والمفارقة أن موسكو نفسها كانت قد استخدمت الفيتو ضد طلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة « بريكس»، مبررة ذلك بأن الجزائر لا تملك أياً من المقومات التي تؤهلها لأن تكون قوة ذات وزن في تكتل عالمي مؤثر. والمفارقة الأكبر أن روسيا هي نفسها اليوم تقترب من إغلاق حلقة العزلة حول النظام الجزائري، عبر تبني موقف أكثر وضوحاً تجاه سيادة المغرب على صحرائه.

فقد فاجأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجزائر بتصريح صادم، شكك فيه في الحدود الحالية للجزائر، واصفاً إياها بأنها «حدود مصطنعة» رسمتها القوى الاستعمارية السابقة. ولم يكن ذلك التصريح عفوياً، بل جاء رداً على استفزاز مصدره خلية التواصل التابعة لتبون، التي تحدثت عن « جرائم مزعومة » ارتكبتها قوات شبه عسكرية روسية في منطقة الساحل.

روسيا بدورها أرسلت عدة إشارات توحي بأنها في طريقها إلى الانضمام إلى الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء. ومع تطور موقفها نحو دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية — كما عكسته الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى موسكو — يمكن أن تصبح روسيا العضو الدائم الرابع في مجلس الأمن الداعم للمغرب، بعد الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.

وبينما يُنتظر من الصين، العضو الخامس في المجلس، أن توضح موقفها أكثر، يبدو أن المغرب ينجح تدريجياً في بناء شبه إجماع أممي حول سيادته على الصحراء، وهو مسار قد يؤدي إلى الحسم النهائي لهذا النزاع القديم خلال الاجتماعات المقبلة لمجلس الأمن.

لقد نجح النظام الجزائري في أن يجعل العالم بأسره تقريباً ضده. وبسبب استفزازاته وعدائه غير المحسوب، تحول إلى نظام منبوذ دولياً، ومصدر للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. وبكل المقاييس، أصبح من المنطقي إخضاعه لنفس نظام العقوبات المفروضة على أنظمة كإيران وكوريا الشمالية.

تحرير من طرف مصطفى الطوسة
في 20/10/2025 على الساعة 18:30