إياد أغ غالي: الإرهابي الذي صنعته الجزائر وحمته وأطلقته في مواجهة مالي

إياد آغ غالي، الملقب بـ "أبو الفضل"، مؤسس الجماعة الإرهابية السلفية أنصار الدين ومقرها مالي.

في 06/12/2025 على الساعة 16:38

بورتريمن كيدال إلى تمنراست، ومن ملاهي غرب إفريقيا الليلية إلى الصالونات الفاخرة في جدة، لم تكن مسيرة إياد أغ غالي يوما مسيرة قائد متمرد عادي. خلف لقب «الأمير» السلفي يختبئ رجل متعدد الحيوات؛ كان تارة جنديا في كتائب القذافي، وتارة مغنيا في الملاهي، وتارة وسيطا في مفاوضات تحرير رهائن، قبل أن يتحول إلى ورقة استراتيجية في يد النظام الجزائري. فعلى مدى ثلاثة عقود، ظل النظام في الجزائر يرعاه ويستخدمه ويعيد تدويره، بينما يدفع باماكو ثمن هذا الدعم الموارب.

في مالي، تبخر سراب الحرب، ليظهر أمام العالم ظل إياد أغ غالي وهو يحتمي براية الجزائر. لكن من هو هذا الإرهابي المتملص، المتقلب ببرودة، الذي تحوّل مع مرور السنين إلى العدو الأول لفرنسا، والذي تطارده عدة وكالات استخباراتية غربية دون أن تتمكن من القبض عليه؟ وما الذي دفع الباحث الفرنسي جان بيار فيليو للتساؤل سنة 2018: «لماذا تحمي الجزائر أخطر جهادي في الساحل؟» (لوموند، 21 أكتوبر). أي لغز يربط «أسد الصحراء» هذا بالعسكريين في الجزائر إلى درجة دفعه لقيادة حرب عصابات شرسة ضد باماكو منذ عقود؟

سيرته الذاتية مدهشة، شأنها شأن مسارات الرجال ذوي المصائر الداكنة الاستثنائية. فخلف عمامة « الأمير » السلفي المزعوم يختبئ رجل ذو وجوه متعددة؛ مغن سابق في الملاهي، وحياة مليئة بالمناطق المعتمة، ومرتزق يتنقل بين قومية علمانية يسارية، ووسيط انتهازي في أهم صفقات تحرير الرهائن الغربيين، ثم جهادي متشدد في آخر تحولاته. إنه صنيعة أجهزة الاستخبارات الجزائرية التي رعته واستثمرت فيه منذ تسعينيات القرن الماضي لأهداف استراتيجية.

رسميا، وُلد إياد أغ غالي، الملقب بأبي الفضل، عام 1958 في منطقة كيدال، وسط قبيلة الإيفوغاس، وهي مجموعة بدوية تنتشر بين مالي والجزائر. وخلال سبعينيات القرن الماضي، وبعد استقلال مالي، يظهر اسمه في ليبيا حيث قصدها بحثا عن الرزق. هناك التحق بـ« الفيلق الإسلامي » الشهير التابع لمعمر القذافي، إلى جانب آخرين من أبناء الصحراء التائهين. هكذا أصبح جنديا مرتزقا يُستخدم كوقود لحروب ليبيا في لبنان وتشاد خصوصا. وقد صقلت هذه التجربة شخصيته، لكنها لم تصنع منه بعدُ إسلاميا. ففي تلك المرحلة كان توجهه أيديولوجيا علمانيا متأثرا بالماركسية، وقريبا من النزعة اليسارية القومية أكثر من اقترابه من الإسلام السياسي.

ويا للمفارقة، فهذا الرجل الذي سيصبح لاحقا أحد أخطر الإرهابيين الإسلاميين لم يكن يمانع في شبابه رفع كأس الخمر أو التورط في حياة عبثية: فقد كان شبابه مطبوعا بشغف واضح بالويسكي وعلاقات الجنس الحر والجولات الموسيقية. بل كتب بعض الأغاني وشارك في عروض موسيقية مع فرقة الطوارق « تيناريوين »، متنقلا بين ملاهي غرب إفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي كلما توقفت أصوات المدافع.

لاحقا، سيأمر إياد أغ غالي خاطفيه بخطف عازف الغيتار في فرقة « تيناريوين »، لأن صديقه السابق أكثر الكلام عن مغامراته القديمة. وفي 1990، عاد إلى مالي وانخرط في التمرد الطوارقي الجديد ضمن “الحركة الشعبية لتحرير أزواد”، حيث تمكن سريعا من الصعود داخل التنظيم إلى أن أصبح قائدا حربيا.

وقد وصفه تقرير دبلوماسي أمريكي مسرَّب سنة 2008 بأنه “انتهازي بلا ضمير”، معروف بقدرته على “اللعب على جميع الحبال لتعظيم مكاسبه الشخصية” (بحسب ما نشره موقع “إندبندنت عربية”، 10 نونبر 2025). وهكذا تكتمل الصورة: خلف الإيديولوجي يقف انتهازي نَهِم، جاهز لارتداء كل الأدوار.

تجنيده من طرف الأجهزة الجزائرية

نعود إلى سنة 1990: كانت التمردات الطوارقية مشتعلة في جبال إيفوغاس. في تلك الفترة جرى تجنيد إياد أغ غالي من طرف الجزائر. فقد استقبل جهاز الاستعلام والأمن (DRS) إياد وبعض الموفدين الماليين في تمنراست داخل التراب الجزائري. هناك جرى اختياره لتمثيل مصالح الجزائر في شمال مالي. ومن متمردٍ يشنّ المجازر ضد السكان الماليين، تحوّل إلى مرشح سياسي جاهز، فُرض في يناير 1991 خلال اتفاقات وقف إطلاق النار بين الطوارق والحكومة المالية، المعروفة باتفاقات تمنراست نسبة إلى المدينة الواقعة بين مالي والجزائر.

وبفضل هذا الاحتضان الجزائري، التحق إياد أغ غالي رسميا بالدولة المالية. وهكذا نال “التائب” مكافآت سياسية محترمة: عُيّن مستشارا خاصا في الرئاسة المالية، ثم دبلوماسيا. مسار غير متوقع، مكّنته الوساطة الجزائرية من حصد هذه المناصب المريحة. الجزائر كانت حريصة على الحفاظ على هذا الحليف الطوارقي، الذي سيتحول لاحقا إلى حصان طروادة يُدخل النفوذ الجزائري إلى قلب السلطة في باماكو. ذئب يتجول مطمئنا داخل قطيع.

هذا الاندماج في صف الدولة شكّل بداية عقد مضطرب في حياة الرجل. فعلى الرغم من صفته الرسمية كموظف مالي، لم يقل كلمته الأخيرة – وكذلك الجزائر. فقد واصل نسج شبكاته في الخفاء، بينما لم تتوقف الأجهزة الجزائرية عن متابعته خطوة بخطوة، باعتباره ورقة مؤثرة وسط الطوارق في مالي. والدليل: عندما اندلعت اضطرابات جديدة في شمال مالي عام 2005، ظهرت الجزائر من جديد واستعادت دور “الوصي”.

الجزائر أرسلته للتكوين الجهادي في السعودية

عندما طلبت الجزائر من رجلها تهدئة التمرد، فرض إياد أغ غالي نفسه وسيطا لا غنى عنه. لكنه في الوقت نفسه كان يشعل النار لمصلحة التيار المنشق، ما أدى إلى توقيع اتفاقات الجزائر في يوليوز 2006 التي أنهت الانتفاضة بفضل هذا “العميل السري”. ثم ضغطت الجزائر على باماكو، ليُعيَّن إياد أغ غالي في نوفمبر 2007 قنصلا لمالي في جدة. قيل وقتها إنه اختار هذا المنصب بدافع التدين، حتى يسهل عليه زيارة مكة كل جمعة. لكن الحقيقة مختلفة: فقد كانت الجزائر تُطلق مرحلة جديدة من مخططها للهيمنة على مالي بعد فشل خططها في التسعينيات.

وجود أغ غالي في السعودية أتاح له الاقتراب من التيار الوهابي، وبدء التحول السلفي الذي يتوشح به اليوم. أما باماكو، التي رغبت في إبعاده عن الساحة، فلم تكن تعلم أنها تبعثه ليتحوّل إلى وحش دموي سيعود قريبا ليهددها. فقد كان يعتمد على قاعدة من السلفيين وعدد من متمردي شمال مالي الممدودين بالدعم والإيواء في الجزائر، ليشكلوا أولى نواته المسلحة عند عودته إلى ساحة القتال.

خلال هذه الفترة السعودية التي استمرت أربع سنوات، عاش إياد حياة هادئة لكن تحت مراقبة استخبارات جدة. أصبح فجأة شديد التدين، وتطرف أكثر بفعل احتكاكه بدعاة متشددين. وفي الوقت نفسه، واصل لعب دور الوسيط بين باماكو والمجموعات المسلحة، في سياق توسع ظاهرة اختطاف الغربيين على يد “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وغيرها.

وبرز دوره في عدة وساطات مربحة: ففي 2003 ساهم في تحرير 14 سائحا أوروبيا خطفهم فصيل سلفي جزائري (نواة القاعدة لاحقا). ثم شارك في مفاوضات إطلاق رهائن أعوام 2008 و2010 و2011، محققا عمولات ضخمة. وقد وصفه مركز Counter Extremism الأميركي بأنه راكم ثروة من فدية الرهائن، وأصبح من أبرز المستفيدين من “تجارة الخطف” في الساحل.

هذا الدور المزدوج – دبلوماسي نهارا، وعميل للقاعدة ليلا – أثار الشبهات. فالسعوديون المعروفون بتشددهم في الأمن الداخلي اشتبهوا في وجود صلة بينه وبين متطرفين من القاعدة في الجزيرة. وفي 2010 جاء القرار: طُرد إياد أغ غالي بالقوة من السعودية. وبررت الرياض ذلك رسميا برغبتها في الابتعاد عن الجزائر التي تشتبه في دورها المزعزع للاستقرار في مالي وتخشى انعكاساته على أراضيها.

اللافت أنه بعد طرده مرّ لفترة وجيزة عبر.. باريس. شوهد هناك وهو يرتاد سرا أحد مساجد الدائرة الثامنة. العدو الأول المستقبلي لفرنسا مرّ إذن بكل هدوء في أرقى شوارعها. وترجح أجهزة الاستخبارات الفرنسية اليوم أن ذلك المرور سمح له بالالتقاء بمبعوثين جزائريين أعدّوه لعودته الهجومية إلى مالي باعتباره « إرهابيا معلنا ». خطأ فادح ارتكبته فرنسا حين تركته يتحرك بحرية، ما أتاح له إعداد انتقامه وتلقي آخر توجيهات من الجزائريين بشأن الدور الجديد الذي سيؤديه.

منعطف 2012: أنصار الدين… هولوغرام جزائري

بعد عودته إلى مالي، حاول إياد أغ غالي الالتحاق بالحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA) وسعى إلى فرض الخطاب السلفي داخلها. قصد معسكر زاكَاك طامحا إلى قيادة الحركة. لكن قادة الـMNLA الشباب كانوا يتحفظون عليه: رأوا أنه شديد الارتباط بالجزائر وأكثر ميلا إلى الإسلاموية مما يحتملونه. فاختاروا بدلا منه ابن عمه البعيد بلال أغ الشريف، وضابطا عاد من ليبيا هو محمد أغ ناجم لقيادة الحركة.

كانت تلك صفعة كبيرة لإياد أغ غالي، الذي رأى زعامة الطوارق تفلت من يده. كما تلقى رفضا تقليديا قاسيا: قبيلة إيفوغاس رفضت تعيينه أمِّنُوكَال (الزعيم التقليدي)، خلفا لابن عمه القائد إينتالّا أغ أتايهر، وفضّلت أحد أبناء إينتالّا. مهانة مزدوجة وفشل للجزائر في إعادة زرع رجلها في القيادة. هكذا سيتجه أغ غالي نحو الجهاديين.

يتواصل مع حلفائه في “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وبعضهم من أقربائه وأصهاره. ابن أخته عبد الكريم التارگي يقود كتيبة تابعة للتنظيم، فيقترح عليه إياد دعمه بقوة صغيرة من عشرات المقاتلين الذين وضعتهم الجزائر تحت تصرفه. عند هذه النقطة، يجري تشجيعه على تأسيس فصيل إسلامي خاص به.

وفي يناير 2012، يعلن إياد أغ غالي تأسيس « حركة أنصار الدين »، الذراع المسلحة التي ستعمل وفق المقاس الجزائري، ويتولى قيادتها. في بدايتها لم تكن أنصار الدين تضم سوى 200 إلى 300 مقاتل، أغلبهم حرس إياد الشخصي. لكن سرعان ما تدفقت عليها أعداد كبيرة من المجندين، وخلال أشهر قليلة تفوقت عسكريا على الـMNLA وأصبحت القوة المهيمنة في شمال مالي.

فرض أغ غالي، بصفته القائد الجديد، خطا إسلاميا متشددا. وخلافا للحركة الوطنية العلمانية، أعلن صراحة أن هدفه هو إقامة الشريعة في كامل التراب المالي. راوده حلم تأسيس “جمهورية إسلامية” متقشفة في الساحل. ومع ذلك، فقد لعب بمهارة على حبلين في البداية: سعى إلى طمأنة المفاوضين الماليين والمتمردين الطوارق موحيا لهم بأنه لم يقطع نهائيا مع ماضيه “المعتدل”. وفي جلسات خاصة، كان يهمس للبعض بأن الجهاد مجرد أداة، وأنه يبقى طوارقيا قبل كل شيء – خطاب يتغير حسب المستمع، ويؤكد صورته كرجل “يلعب على كل الجبهات”.

ميدانيا، لم تدم تحالفاته الشكلية مع الـMNLA إلا أسابيع قليلة. فقد أزاح جهاديو أنصار الدين المتمردين العلمانيين من المدن الكبرى في الشمال. سقطت كيدال وغاو وتمبكتو تباعا في أيدي الإسلاميين الذين خانوا الـMNLA واستولوا وحدهم على السلطة المحلية. وسريعا فرض أغ غالي أكثر نسخ الشريعة تشددا: حظر الموسيقى والتبغ، فرض الحجاب على النساء، تنفيذ إعدامات سريعة بحق الرافضين، وتدمير أضرحة الصوفيين في تمبكتو – تدمير أثار صدمة عالمية. الرجل الذي كان قبل سنوات يجوب الملاهي الليلية، أصبح يفرض الرجم بتهمة الزنا. سقط القناع: إياد أغ غالي استبدل جلباب الوجيه بلحية “طالبانية”، لأن الجهاد منحَه طريقا إلى السلطة بعدما سُدّ في وجهه كل طريق آخر.

كان حكم أنصار الدين على شمال مالي قصيرا، لكنه دامٍ. ففي 2013، ومع تقدم المقاتلين الإسلاميين نحو باماكو، طلبت الحكومة المالية التدخل الفرنسي. أطلقت باريس عملية “سرفال”، التدخل العسكري الخاطف الذي طرد الجهاديين من مدن الشمال. اضطر أغ غالي ورجاله إلى الفرار نحو الجبال والصحراء. قُتل كثير من مقاتليه أو تشتتوا، ودُمّرت قواعده. ومع ذلك، نجا إياد أغ غالي من الاعتقال أو القتل، في مفارقة أثارت التساؤلات: كيف لرجل مكشوف الأثر إلى هذا الحد أن يفلت من آلة الحرب الفرنسية؟

الجواب، كما يخلص كثيرون: الجزائر.

الجزائر من وراء الستار: تواطؤات وملاذ آمن

ظاهريا، انضمت الجزائر إلى الجهد الدولي لمحاربة الإرهاب إلى جانب فرنسا، وسمحت للطائرات الفرنسية باستخدام مجالها الجوي، كما أغلقت حدودها مع مالي، وهي شروط حاسمة لنجاح عملية سيرفال. لكن خلف الكواليس، ظل النظام الجزائري يقدم دعما غير معلن لإياد اغ غالي وللمجموعات الناشطة في الساحل. فعند انتهاء سيرفال، عادت الجزائر إلى الواجهة عام 2015 لتتولى رعاية إياد اغ غالي، وتوفر حماية للفصائل المسلحة في شمال مالي.

رسميا، تقدم الجزائر نفسها كوسيط محايد. أما واقعيا، فقد انكشفت نواياها: الأمم المتحدة نفسها نددت الأمم المتحدة نفسها بالتواطؤ بين الوساطة الجزائرية وإياد أغ غالي ومحيطه.

بعبارة واضحة، يبدو أن اتفاقات الجزائر لعام 2015 تضمنت مطالب أو مبعوثين مرتبطين بإياد، مما منحه بشكل فعلي نفوذا خفيا على العملية. لذلك لم يكن مفاجئا أن السلام لم يترسخ على الأرض. على العكس، استغل إياد اغ غالي هذه الهدنة لإعادة بناء قوته. وفي 2017، أعلن دمج جماعته أنصار الدين مع كتائب جهادية أخرى، بينها المرابطون بقيادة مختار بلمختار وكتيبة ماسينا بقيادة امادو كوفا، ضمن تحالف حمل اسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الموالية لتنظيم القاعدة.

لم يكن مفاجئا أن يتولى إياد اغ غالي قيادة هذا التحالف الساحلي، ليصبح الأمير المحلي للقاعدة، ووفق وصف جان بيار فيليو: الممثل المعتمد لأيمن الظواهري في الساحل.

وبدأت مجموعاته بتنفيذ هجمات دامية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مستهدفة خصوصا المصالح الفرنسية، من قوات برخان إلى دبلوماسيين وعاملين إنسانيين. وحتى نهاية 2025، ما يزال إياد اغ غالي العقل المدبر للجهاد في غرب إفريقيا، يقود عمليات خطف وهجمات على امتداد واسع.

ومع ذلك، ورغم خطورته المؤكدة، لم يتم توقيفه ولا تصفيته. وتشير أغلب المؤشرات إلى حقيقة مقلقة: يتمتع إياد اغ غالي بملاذ آمن داخل الجزائر نفسها. فمنذ 2013 و2014، وبحسب تقارير استخباراتية أمريكية وفرنسية، كان إياد يلجأ إلى جنوب الجزائر. وأفاد تقرير استخباراتي فرنسي بوجوده في منطقة تين زاواتين داخل التراب الجزائري، محاطا بعائلته وبعض أنصاره، وبموافقة الاستخبارات العسكرية الجزائرية، وفق ما نقلته وسائل إعلام مالية.

وفي 27 يناير 2014، نشرت مجلة « جون افريك »، استنادا لمصادر فرنسية غاضبة، أن إياد ظل دائما على علاقة وطيدة مع الأجهزة الجزائرية، وأن هذه الأخيرة كانت تعتبره شريكا لا غنى عنه في المنطقة. واشتكت باريس من ضعف تعاون الجزائر في الساحل، ومن تركها إياد يفلت في مناطق حدودية بلا سيادة فعلية. أما صحيفة « لوموند »، فذكرت أن خبراء الجهاد في الساحل يجمعون على أن إياد اغ غالي لم يكن ليفلت من الموت أو الاعتقال دون ما توفره له الجزائر من تسهيلات.

وكشفت الصحيفة أن إياد عولج سرا في الجزائر عام 2016 من مرض السكري أو التهاب كبدي، وأن محاولة غربية لتحييده داخل المستشفى فشلت بفارق ضئيل، بعدما جرى إجلاؤه أو حمايته في اللحظة الأخيرة. فمن غير الأجهزة الجزائرية يمكنه تدبير عملية إخراج بهذه الدقة؟

وتعزز شهادة مهمة هذه الفرضية: شهادة الجنرال الفرنسي كريستوف غومار، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية. ففي مذكراته الصادرة عام 2020، تحدث عن العقبات التي واجهتهم لتعقب إياد اغ غالي قائلا: الجزائريون لم يقدموا لنا سوى أرقام هواتف تخصه. كنا مقتنعين بأنه يوجد في الجانب الجزائري من بوغيسا. وكان الجزائريون يؤكدون العكس، وربما كانوا يحمونه. وهي إدانة صريحة للعبة الجزائر المزدوجة.

سعت الجزائر، على الدوام، إلى التحكم في مخرجات الأزمة المالية للحفاظ على نفوذها في الساحل. وبالاحتفاظ بإياد اغ غالي كورقة احتياط، ظلت تمتلك وسيلة ضغط قوية: تستطيع تركه ينشر الفوضى لإفشال المبادرات التي لا تناسبها، كما يمكنها استخدامه كقناة تفاوض مفضلة عندما يخدم ذلك مصالحها. وبذلك، طالما ظل إياد ورجاله يتحركون، بقيت الجزائر لاعبا لا يمكن تجاوزه. فالساحل غير المستقر، ولكن الخاضع لميزان القوى الجزائري، أفضل لديها من ساحل مستقر قد يميل نفوذه نحو المغرب أو فرنسا أو الأمم المتحدة. ويظهر إياد اغ غالي، بأثر رجعي، كأداة لهذه السياسة القائمة على الفوضى المنضبطة.

حتى اليوم، لا يزال إياد اغ غالي طليقا، والجزائر موضع اتهام. ففي يونيو 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من مجازر واغتصاب واستعباد جنسي ارتكبت عام 2012. وفي مالي، وبعد وصول العسكريين القوميين إلى السلطة عام 2021، صار الخطاب الرسمي أكثر حدة. ففي 1 ابريل 2025، وقع حادث غير مسبوق: الجيش الجزائري أسقط طائرة مسيرة مالية قرب الحدود في منطقة تين زاواتين. وقالت الجزائر إن « الدرون » انتهك مجالها الجوي. وردت باماكو بأنه كان يحلق فوق أراضيها لملاحقة مجموعات مسلحة، في إشارة إلى مقاتلي إياد. وكان المعنى واضحا: إسقاط الدرون هدفه منع مالي من ضرب إياد في معقله الحدودي. وتدهورت العلاقات إلى درجة أن البلدين أغلقا مجالهما الجوي، وتم رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية.

وعلى منبر الأمم المتحدة، صار المندوبون الماليون يتهمون الجزائر علنا بحماية إياد اغ غالي وعرقلة مكافحة الإرهاب. وقد استغرق الأمر إلى غاية عام 2025 ليظهر الدور الخفي للجزائر في دعم الجهادية الإقليمية للعلن.

واليوم، بينما يترنح الساحل وتبحث العواصم الغربية عن تفسير لصمود هذا الرجل المتمرد، تتأكد حقيقة أساسية: إياد اغ غالي ليس ظاهرة عابرة. إنه مهندس الجهادية في المنطقة، صنيعة تلاقي مصالح بين الجيش الجزائري وشبكات التطرف. ملاجئه، وعمليات تهريبه، ونجاته المتكررة ليست مصادفة. يستمر في بث الرعب لأن ظله يمتد حتى أروقة الجزائر. وما لم يتبدد هذا الظل، لن يكون هناك سلام دائم فوق رمال مالي.

تحرير من طرف كريم سراج
في 06/12/2025 على الساعة 16:38