عفو تبون عن صنصال يضعه في مأزق: غضب شعبي بسبب الخضوع لنداءات الخارج وتجاهل دعوات الداخل

عبد المجيد تبون، رئيس الجزائر

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون . DR

في 13/11/2025 على الساعة 13:34

تحول قرار العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لصالح الكاتب بوعلام صنصال إلى فتيل لأزمة سياسية داخلية عميقة، أسقطت تبون في «مأزق» صعب: ففي الوقت الذي استجاب فيه لـ«نداءات الخارج» التي جاءت على لسان الرئيس الألماني، واجه تبون عاصفة من الانتقادات والغضب الشعبي العارم الذي اتهمه بـ«صم الآذان» عن دعوات الداخل المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي. هذا التناقض الصارخ بين أولويات الرئاسة وبين المطالب الوطنية كشف عن شرخ يتسع بين النظام والمواطنين، وأعاد طرح التساؤلات حول حقيقة دوافع هذا العفو وتكلفته السياسية.

شهدت الجزائر تفاعلا واسعا أعقب قرار العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس عبد المجيد تبون لصالح الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال، ليضع هذا القرار القيادة الجزائرية في موقف حرج ومعقد.

فخ الضغط الخارجي و«الرحمة المشروطة»

أحدثت دوافع العفو، التي قُدمت رسميا على أنها استجابة لـ«طلب إنساني» من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، شرخا واضحا في الخطاب الوطني الرسمي. فبينما أشادت أحزاب الموالاة بالقرار وعدّته دليلا على «حكمة الدولة»، نددت المعارضة بالتناقض الصارخ في سلم الأولويات الوطنية، خاصة بعدما كشفت التطورات عن تدخل أجنبي مواز لدوافع شخصية.

ورأت أحزاب المعارضة الجزائرية في هذا التدخل الأجنبي إشارة إلى أن «الرحمة الرئاسية مرهونة بالضغوط الخارجية أو الحماية الدولية»، وأن المواطنين الجزائريين مستبعدون من دائرة الأولويات الإنسانية، على حد وصفها.

واعتبر جيلالي سفيان، رئيس حزب «جيل جديد»، أن الإفراج عن صنصال «لدواع إنسانية » يستدعي أن يتخذ رئيس الجمهورية قرارات مماثلة تخص “العديد من السجناء الجزائريين الذين يقبعون في السجون لأسباب أقل خطورة».

وحذر هذا السياسي من أن عدم القيام بذلك «سيُعتبر رسالة مفادها أن الرحمة الرئاسية مرهونة بالضغوط الخارجية أو الحماية الدولية، وأن المواطنين الجزائريين مستبعدون من دائرة الأولويات الإنسانية».

«مصيبة أعظم» وتراجع في سلم القيم

كان النقد الأشد حدة للقرار من نصيب الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، الذي رأى أن «إطلاق سراح صنصال بعد تدخل أجنبي مصيبة أعظم من إطلاقه دون تدخل».

ووصف مقري التدخل الألماني بأنه «مجرد مناولة للفرنسيين في هذه القضية»، مشيرا إلى أن العفو عكس أن «اتهامات الخيانة المصرح بها رسميا لها حماية أجنبية».

وأوضح السياسي الجزائري أن بقاء الوطنيين، مثل الباحث في التاريخ محمد الأمين بلغيث والصحافي عبد الوكيل بلام في السجون مقابل الإفراج عن صنصال، «يدل على أن الأقليات المشبوهة ذات نفوذ حاسم في البلد»، معتبرا أن ما حدث يعكس «انقلابا في سلم القيم حيث صار المعروف منكرا والمنكر معروفا».

في المقابل، قدم عثمان معزوز، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، رؤية مختلفة، إذ اعتبر أن العفو «كان مفيدا وإيجابيا»، مشددا على أن الدفاع عن حرية التعبير، «حتى لمن نختلف معهم هو شجاعة سياسية حقيقية».

ودعا معزوز إلى استثمار هذه الخطوة لتكون «إشارة مشجعة نحو الانفتاح والمصالحة»، مؤكدا على ضرورة «إطلاق سراح جميع سجناء الرأي ووضع حد لمنطق القمع».

غضب شعبي عارم

لم ينجُ الرئيس تبون من انتقادات المواطنين البسطاء، الذين ترجموا غضبهم إلى هجوم إلكتروني مباشر على صفحة الرئاسة الرسمية فور نشر خبر «العفو الرئاسي» عن صنصال.

فقد شن الجزائريون حملة واسعة عبر وسوم وتعليقات تطالب بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، متهمين «عمي تبون» بـ«الخضوع للضغوط الخارجية وصم الآذان عن نداءات ومطالب أبناء الوطن»، ما يعكس شرخا شعبيا بين استجابة الرئاسة لمطالب دولية وتجاهلها للضغط الشعبي الداخلي.

كواليس المفاوضات السرية للعفو عن صنصال

لم تقتصر التداعيات على الجدل السياسي، بل امتدت لتكشف عن مأزق شخصي يتعلق بالرئيس تبون نفسه. فقد كشفت مجلة «لوبوان» الفرنسية عن تفاصيل «مفاوضات سرية» لإطلاق سراح الكاتب.

وذكرت المجلة أن فرنسا، بعد جمود في علاقاتها مع الجزائر، «لجأت إلى إيطاليا أولا لفتح قناة وساطة، لكن الرئيس تبون رفض المقترح الإيطالي سريعا، وعندها تحولت الجهود الفرنسية نحو ألمانيا، التي تتمتع بثقة الجزائر وتاريخ من التعاون المتوازن معها، ظهر أنها الطرف الأنسب لقيادة مفاوضات غير مباشرة».

لكن الكواليس تشير إلى أن العفو الرئاسي لم يكن مجرد استجابة دبلوماسية لرئيس ألمانيا أو لتهدئة التوتر مع فرنسا. فقد كشفت مصادر خاصة عن وجود «إكراه الضرورة» الشخصي الذي يواجه الرئيس تبون. فالرئيس الجزائري، الذي يعاني من مرض خطير، بحاجة ماسة للاستشفاء والمتابعة الطبية في ألمانيا، وهي الوجهة التي يتردد عليها بانتظام للعلاج منذ إصابته بكوفيد-19 في عام 2020.

وبذلك، وجد تبون نفسه مضطرا لـ«مقايضة» العفو عن صنصال، الذي أطلقت ألمانيا سراحه على أراضيها، بـ«تأمين» احتياجاته الصحية الخاصة في المستشفيات الألمانية. هذا التفسير يضع العفو في سياق يبتعد عن الحكمة السياسية المعلنة، ويقترب من الضرورة الشخصية.

أولويات النظام في مهب الريح

كشف العفو عن بوعلام صنصال، بكل تفاعلاته الداخلية والخارجية، للجزائريين بأن دوائر صنع القرار داخل نظام الحكم، الذي يهيمن عليه العسكر، تضع المصالح الذاتية للنخبة الحاكمة ومتطلباتها الشخصية والدبلوماسية في صدارة الأولويات.

لقد بين لهم، بما لا يدع مجالا للشك، أن الاستجابة لنداءات الخارج وضمان ممرات العلاج الخاصة للرئيس، كانت أكثر إلحاحا وأهمية من الاستجابة لنداءات المواطنين المطالبين بالإفراج عن سجناء الرأي، أو المحافظة على شعارات السيادة الوطنية المطلقة، لتؤكد بذلك أن مصالح البلاد والعباد، والقضايا الداخلية العادلة، تقع في آخر اهتمامات هذا النظام الذي يجثم فوق صدور الجزائريين منذ عقود.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 13/11/2025 على الساعة 13:34