التقرير الاستقصائي الذي نشرته صحيفة « لوبوان » الفرنسية فتح بابا واسعا للجدل بعد كشفه عن تحول مسجد باريس الكبير من فضاء ديني إلى «شركة تجارية» تدر الأموال الطائلة على النظام الجزائري، وهو ما طوّق عنق عميد المسجد، شمس الدين حفيظ، الذي يُعتبر بيدقا في يد النظام العسكري الجزائري.
وفي أول رد فعل على هذا التحقيق، أعلن وزير الداخلية الفرنسي عن فتح تحقيق رسمي حول احتكار عميد المسجد لشهادات «الحلال» وإدارة أموال طائلة لصالح الجزائر.
مسجد أم «قنصلية»؟
في تصريح لبرنامج إذاعي عبر محطة Europe1، أكد الوزير ريتايو أن المسجد ينبغي أن يظل مكانا للعبادة، وليس أداة ضغط سياسي أو مركزا للتجارة.
وأضاف: « لا يمكن السماح بتحويل مسجد إلى قنصلية أو سفارة. سنراجع جميع الظروف المحيطة بفرض ضريبة الحلال ومدى انسجامها مع القانون الفرنسي لعام 1905 الذي ينظم العلاقة بين الدين والدولة ».
وفقًا لتقرير «لوبوان»، أصبح المسجد الذي تأسس عام 1926 تحت تأثير عميق للنظام الجزائري، إذ كان جميع رؤساء المسجد من مواليد الجزائر، مما يعزز ارتباطه العميق بالحكومة الجزائرية، حتى أن مصادر فرنسية وصفت المسجد بأنه «سفارة ثانية للجزائر».
وأشار التقرير إلى أن المسجد أصبح، منذ تولي حفيظ منصبه في عام 2020، منصة لتعزيز النفوذ الجزائري في فرنسا، مستفيدا من شبكة تضم حوالي 400 مكان عبادة و2.5 مليون مهاجر جزائري.
ونفى شمس الدين حفيظ ما جاء في التحقيق الصحفي، واعتبرها محاولات لتشويه دور المسجد. وأكد في تصريح للمجلة نفسها أن أنشطته « تركز على نشر قيم الإسلام المعتدل ومحاربة التطرف، إلى جانب بناء جسور بين فرنسا والجزائر».
إقرأ أيضا : فضيحة عميد مسجد باريس: استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية لصالح النظام الجزائري
لكن التحقيق كشف عن علاقة متشابكة بين المسجد والنظام الجزائري، إذ أشار إلى أن المؤسسة تعمل كقناة خلفية لتعبئة الجالية الجزائرية في فرنسا، خاصة خلال الأزمات الدبلوماسية، مثل الأزمة الأخيرة المرتبطة باعتراف باريس بمغربية الصحراء.
أبعاد التحقيق؟
هذا الملف يضاف إلى سلسلة الأزمات بين باريس والجزائر، والتي تفاقمت بعد استدعاء الجزائر لسفيرها في باريس.
ويعكس التحقيق حساسية العلاقة بين البلدين، خاصة في ظل اتهامات فرنسية بأن الجزائر تحاول توظيف مؤسسات دينية وثقافية لتعزيز نفوذها خارج حدودها.
ومع استمرار التحقيقات في الأنشطة المشبوهة لمسجد باريس الكبير، يظل السؤال الأهم قائما: هل ستفضي نتائج هذا التحقيق إلى تحرير المسجد من قبضة النظام الجزائري الذي يواصل الهيمنة عليه ويستغلّه لتحقيق أهداف سياسية واضحة؟