عندما تتعبأ وسائل الإعلام الجزائرية لمعالجة الموضوع نفسه المتعلق بالمغرب في آن واحد، بنفس السعار والجنون تقريبا في شكل مقالات صحفية، فإن هذا الأمر يكشف على الفور أن الطغمة العسكرية الحاكمة وأدواتها الحكومية أعطت الأوامر للتهجم على المملكة.
إن الاستقبال الكبير، الذي يليق بمقام ضيفه الكبير، الذي خصصه الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان للملك محمد السادس، أيقظ غيرة قاتمة لدى النظام الجزائري، الذي لم يجد سوى إطلاق حملة إعلامية مسعورة جديدة ضد المغرب بهدف التنقيص من النجاح الباهر لهذه الزيارة الملكية ونتائجها المثمرة. إن كل الزيارات التي قام بها عبد المجيد تبون إلى الخارج، مجتمعة، هي مجرد قطرة بالمقارنة مع الترحيب الكبير الذي حظي به الملك محمد السادس في أبو ظبي.
سواء كانت عامة أو خاصة، ناطقة بالفرنسية أو ناطقة بالعربية، مكتوبة أو إلكترونية، صبت وسائل الإعلام الجزائرية غضبها على محتوى عشرات الاتفاقيات الثنائية التي تغطي العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمالية، والتي تم التوقيع عليها يوم الاثنين الماضي في أبو ظبي، تحت إشراف الملك محمد السادس والرئيس محمد بن زايد. كل وسيلة إعلامية كلفت بالتهجم على نقط محددة من هذه الاتفاقيات: خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا، والاستثمارات في الصحراء الأطلسية، والموانئ، والقطار فائق السرعة، والاستهداف المزعوم للجزائر من قبل دولتين قامتا بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل.
صحيفة «أوراس» لم تستسغ فقط أن تشمل هذه الاتفاقيات تمويل المشروع الضخم المستقبلي لخط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا، بل اشتكت من أن «ملك المغرب وقع على اتفاق مع الإمارات العربية المتحدة بهدف استبعاد الجزائر من مشروع اقتصادي كبير»، وهو المشروع الذي تحاول الجزائر بكل الوسائل إنجازه، ليس لحاجتها إلى الغاز، بل فقط لحرمان المغرب من الطاقة، كما فعلت عندما قامت بإغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي-أوروبا في نونبر 2021.
وتدعي الجزائر بأنها ستنجز خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والجزائر في 4 سنوات فقط بميزانية تبلغ 13 مليار دولار على نفقتها، معتبرة أن مسار خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا، الذي يربط 14 دولة، يتطلب 20 سنة من أجل إنجازه واستثمار 25 مليار دولار.
Le roi Mohammed VI et le président émirati Mohammed Ben Zayed Al Nahyane, le 4 décembre 2023.
وبدوره لم يستسغ موقع «ألجيري باترييوتيك» الإلكتروني، التابع للجنرال خالد نزار، الذي يحاكم من قبل القضاء السويسري بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما سمّاه «التواطؤ» بين الرباط وأبو ظبي، معبرا عن استيائه لكون الإمارات، في إطار اعترافها بمغربية الصحراء، تعتزم القيام باستثمارات كبيرة في البنية التحتية في الداخلة. وتعتبر هذه الوسيلة الإعلامية أن هذه الاستثمارات تشكل مؤامرة إماراتية تستهدف الجزائر، مستدلة على ذلك بالمقالات الصحفية التي سبق نشرها في صحيفة الخبر والتي تتحدث عن استهداف الجزائر من قبل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والمغرب وليبيا الجنرال خليفة حفتر.
وفي السياق ذاته، تنظر صحيفة «الوطن» بارتياب إلى الاستثمارات الإماراتية في الصحراء المغربية، معتبرة ذلك بأنه يشكل عداء تجاه الجزائر، التي يواصل النظام رغم ذلك تأكيده على أنه ليس طرفا في صراع الصحراء الذي اختلقه والذي يعمل على إدامته. وقالت الصحيفة في مقال تحت عنوان: «الإمارات العربية المتحدة تدعم الأهداف التوسعية للمخزن: أبو ظبي تظهر عداءها تجاه الجزائر»، مشددة على أن الاتفاقيات المغربية الإماراتية تتعلق بالصحراء بالدرجة الأولى، «مما يثير تساؤلات حول النوايا الخفية وراء هذا التعاون». وختمت الصحيفة قائلة: «يبدو أن محور الرباط–أبو ظبي–تل أبيب أصبح أكثر وضوحا، على اعتبار أن هذين البلدين أبرما اتفاقيات تسمح لهما بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، وهو محور معادي بشكل واضح» للجزائر.
أما موقع «لاباتري نيوز» انخرط في المنطق الغريب نفسه عندما كتب أن الاتفاقيات المغربية الإماراتية تم توقيعها على حساب الفلسطينيين!
وفي ظل هذا التكالب الإعلامي ضد الاتفاقيات المغربية الإماراتية، أرادت صحيفة الخبر أن تتفرد من خلال تزيين صفحتها الأولى بهذا العنوان الذي يكشف عن الإحباط والذعر الذي أثارته الاتفاقيات التاريخية بين الرباط وأبو ظبي: «أمير المؤمنين يبيع وطنه وشعبه للكيان الصهيوني». هذه الصحيفة، التي تنقصها الحجج، تشبه الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل. من خلال ترهات بئيسة وساقطة، تؤكد أن الموساد الإسرائيلي كان حاضرا في توقيع هذه الاتفاقيات، التي من شأنها أن تنقذ المغرب، لأنه يمر «بوضع اجتماعي وسياسي واقتصادي خطر».
في الواقع، تعكس الحملات المسعورة التي أطلقتها وسائل الإعلام الجزائرية الذعر الذي سيطر على النظام. وبفضل الاتفاقيات التاريخية بين الملك ورئيس الإمارات، وجد المغرب، بشكل إبداعي وغير مسبوق، الموارد اللازمة لتمويل المشاريع المهيكلة الكبرى التي ستغير وجه البلاد وتوسع الفجوة مع جارته الشرقية، البلد المعروف بثرواته النفطية والغازية والذي تعاني -وهنا المفارقة- من التخلف الذي لا يستثني أي قطاع. قطار المغرب يواصل مسيره نحو التقدم وسرعته تجعله ييتطور ويزدهر تاركا خلفه الجزائر.