أعلنت الشركة الجزائرية للحوم الحمراء « ألفيار »، مساء الأربعاء 2 أكتوبر 2024، أن عملية توزيع هذه اللحوم المستوردة ستبدأ يوم الأحد المقبل، حيث ستوجه إلى تجار اللحوم بالجملة والتجزئة. ورغم تأكيد الحكومة أن هذه الخطوة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على اللحوم في السوق المحلية، إلا أن ردود الفعل عبر فيسبوك عكست حالة من الإحباط والسخط لدى فئات واسعة من المواطنين.
سخرية وانتقادات لاذعة
تعددت التعليقات الساخرة حول هذا الموضوع على فيسبوك، حيث علق طارق باشي قائلا: « إنها الجزائر الجديدة (في إشارة إلى الجمهورية التي بشّر بها تبون خلال عهدته الثانية).. لا يوجد استثمار حقيقي، كل شيء مستورد ».
أما مصطفى تيتو فقد استهزأ من الاهتمام المبالغ فيه للإعلام الجزائري بهذا الخبر فكتب معلقا على صفحة إحدى الصحف على منصة فيسبوك: « فعلا هذه هي بلاد القوة الضاربة »، في إشارة إلى ما يراه تضخيما لسياسات الحكومة غير المثمرة.
وتساءل سفيان جيلالي مستغربا: « هل عجزت الجزائر، التي تمتد على مساحة تتجاوز مليوني كيلومتر مربع، عن تربية الأغنام والأبقار؟ ». بينما اختار مسعود بودوخو أن يوجه انتقاده مباشرة إلى الحكام قائلا: « دعونا من هذا، تركنا لكم اللحم والدجاج والتفاح والموز لتأكلوه وحدكم يا حكام البلاد الذين يسمسرون في كل شيء ». وبدوره تساءل لمين بوكلوش بسخرية: « دولة بحجم قارة تستورد من دولة بحجم ولاية جزائرية! لك الله يا وطني ».
هذه السخرية المتزايدة تُظهر بوضوح مدى شعور الجزائريين بالإحباط من واقع الحال، حيث تلخص مواطنة جزائرية تدعى جميلة المشهد بقولها: « أصبحت إسبانيا تطعمنا اللحوم! والدولة سعيدة وتعد المواطن بأنه سيشبع من لحوم إسبانيا والبرازيل ».
أزمة متكررة وعجز حكومي
هذا الانتقاد اللاذع ليس وليد اللحظة، بل يعكس أزمة مستمرة منذ سنوات في قدرة الجزائر على سد احتياجاتها من اللحوم. رغم تصريحات المسؤولين المتكررة بشأن تحسين الأوضاع، إلا أن المواطن الجزائري لا يزال يعاني من نقص حاد في اللحوم، ما يضطر السلطات إلى اللجوء للاستيراد، خاصة في المناسبات الكبرى كشهر رمضان.
وكان وزير الفلاحة الجزائري عبد الحفيظ هني قد وعد خلال رمضان الماضي بتوفير اللحوم الحمراء للعجول بسعر 1200 دينار للكيلوغرام، لكن على أرض الواقع، بلغت الأسعار أكثر من 2000 دينار، مما أثار موجة استياء جديدة بين المواطنين.
وتتراوح أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر في أسواق التجزئة ما بين 1800 و2400 دينار جزائري (13 دولارا و17 دولارا)، فيما يبلغ معدل استهلاك الجزائري من اللحوم الحمراء 15 كيلوغراما سنويا، وهو رقم أقل بكثير من المتوسط العالمي الأدنى الذي تنصح به المنظمة العالمية للتغذية والمنظمة العالمية للصحة والمحدد بـ25 كيلوغراما سنويا.
وتقدر احتياجات الجزائر من اللحوم سنويا بما يقارب 150 مليون دولار، حيث تعتمد البلاد على استيراد اللحوم من دول مثل البرازيل والأرجنتين والهند والسودان.
ويبدو أن استيراد اللحوم لم يكن حلا ناجعا للأزمة، بل زاد من حدة الانتقادات التي تواجهها الحكومة بسبب فشلها في تطوير إنتاج محلي مستدام.
مشاكل قطاع تربية المواشي في الجزائر
تعاني الجزائر منذ سنوات من مشاكل كبيرة في قطاع تربية المواشي، إذ لم تفلح السياسات الحكومية في تحقيق الاكتفاء الذاتي، ما يضطر البلاد إلى الاعتماد على استيراد اللحوم. ويزيد من تعقيد الوضع غلاء أسعار الأعلاف المستوردة والظروف الاقتصادية العالمية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار اللحوم بشكل لا يتحمله المواطن العادي.
إقرأ أيضا : أزمة اللحوم الحمراء بالجزائر تخلق طابورا جديدا.. ونظام الكابرانات يلجأ إلى حلول ترقيعية
وفي الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى وجود ما يزيد عن 19 مليون رأس من الأغنام في الجزائر، إلا أن هذه الثروة الحيوانية لا تساهم بشكل فعال في خفض أسعار اللحوم. هذا التفاوت بين ما تعلنه السلطات وما يعيشه المواطن على أرض الواقع يزيد من حالة الاحتقان والسخط تجاه الحكومة وإجراءاتها الاقتصادية.
اختلالات اقتصادية وتفاقم الأوضاع
تظل قضية استيراد اللحوم مؤشرا واضحا على الإخفاق في تطوير قطاع تربية المواشي والأبقار داخل الجزائر. وبينما يواصل المواطنون انتقاد هذه السياسات، تشهد البلاد تدهورا اقتصاديا ملحوظا في ظل ارتفاع نسب الفقر وتدهور مستوى المعيشة.
وفي هذا السياق، كتب المواطن قادر بومرزاك معلقا على إعلان الشركة الجزائرية للحوم الحمراء: « نفس السياسة منذ 24 سنة، قولوا لنا ماذا غيرتم من واقعنا غير سقوط الدينار وارتفاع نسبة الفقر وسوء المعيشة حتى أصبحنا نعيش غرباء في وطننا ».
إقرأ أيضا : استمرار إغراق الأسواق الجزائرية بلحوم الحمير والبغال.. مداهمة مذبح سري آخر
وفيما يستمر الجدل حول هذا الموضوع، يبقى المواطن الجزائري يعاني من غلاء أسعار المواد الأساسية وغياب الاستثمارات الحقيقية التي قد تسهم في تحسين أوضاعه المعيشية، وسط تزايد الاعتماد على الاستيراد كحلول مؤقتة لمشاكل هيكلية عميقة.
استيراد اللحوم.. حل أم مشكلة؟
يرى المواطنون أن اعتماد الحكومة على الاستيراد بدلا من الاستثمار في تنمية الثروة الحيوانية يعمق من أزمة اللحوم التي تكتوي بنارها الطبقات البسيطة، التي تجد نفسها عاجزة عن شراء اللحوم حتى مع الدعم الحكومي. تعليق مصعب إياد لخص هذه المعاناة قائلا: « 1350 دينارا ما يعادل أجرة يوم واحد، يعني يلزمك 8 ساعات عمل لكي تشتري كيلوغرام لحم مستورد ومدعم! ».
وهكذا يستمر السخط الشعبي ضد سياسات النظام العسكري الذي يفضل الاستيراد على تطوير القطاع الفلاحي، ما يزيد من حالة الاستياء والتهكم لدى المواطنين، الذين يرون في هذه القرارات استمرارا لنهج يفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة لحل الأزمات المتفاقمة في بلد يتمتع بثروات طبيعية هائلة لكنه لا يستغلها بشكل فعال.