إذا كان هناك شيء واحد يبرع فيه الثنائي تبون-شنقريحة، وبشكل طبيعي، فهو فن جعل الجميع يكره الجزائر. ولم تعد التوترات التي خلقتها الجزائر مع جارها المباشر المغرب، وإلى حد كبير ليبيا، كافية. ويبدو أن العداء الصريح الذي تبديه دول الساحل مثل مالي والنيجر لا يرضيها.
إن الصفعات التي وجهتها إسبانيا والإمارات العربية المتحدة وحتى المملكة العربية السعودية لم تكن رادعة لهذا الثنائي. والأعداء الوهميون، مثل إسرائيل، أو فرنسا بدرجة أقل، يجدون صعوبة في إتمام هذه الصورة. لذا، فإن النظام الجزائري سيبحث عن أعداء آخرين في أماكن أبعد. وقد نجح بالفعل في ذلك. هذه المرة، ففي أفريقيا الوسطى، وبالتحديد في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجد سعيد شنقريحة، لأنه هو صاحب هذا الإنجاز، خصمه الجديد.
قامت جمهورية الكونغو الديمقراطية، يوم الثلاثاء 27 فبراير، عبر نائب رئيس الوزير الأول ووزير الخارجية كريستوف لوتوندولا، باستدعاء سفير الجزائر في كينشاسا محمد يزيد بوزيد بشكل عاجل. والسبب هو طلب توضيحات بشأن الزيارة التي قام بها قبل أسبوع، يوم الاثنين 19 فبراير، قائد الجيش الجزائري إلى كيغالي، عاصمة رواندا، العدو اللدود لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ودارت مواجهات مسلحة على الحدود بين البلدين في الفترة من ماي إلى يونيو 2022 وكادت أن تتحول إلى حرب مفتوحة. وإذا تم تجنب الأسوأ، فإن التوتر مازال قائما.
وأكدت وزارة الدفاع الجزائرية أن هذه الزيارة تهدف إلى « تعزيز التعاون العسكري الثنائي » و »مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها القارة الإفريقية ». وأعلن المصدر ذاته بكل اعتزاز، مرفقا بصور لسعيد شنقريحة، أن هذه الزيارة تأتي استجابة لدعوة رئيس أركان الجيش الرواندي الجنرال مبارك موغانغا.
وكل هذا في سياق التنافس بين كينشاسا وكيغالي، حيث يتهم جمهورية الكونغو الديمقراطية جارتها الرواندية بـ »زعزعة استقرار الجزء الشرقي من البلاد من خلال دعم تمرد الجماعة المسلحة إم 23 (حركة 23 مارس، ملاحظة المحرر) ».
في الواقع، فإن الزيارة تشكل دعما لرواندا، في سياق التوتر الشديد في منطقة البحيرات الكبرى، والتدخل في صراع لا يعني الجزائر لا من قريب ولا من بعيد. وفي النهاية، تبرز أزمة دبلوماسية جديدة كان من الممكن أن تتفاداها الجزائر، خاصة أن لها بالفعل ما يكفي من الأعداء الحقيقيين أو الوهميين، من المغرب إلى الإمارات العربية المتحدة، مرورا بدول الساحل، والمملكة العربية السعودية، وفرنسا، وإسبانيا، أو حتى إسرائيل. من الصعب أن تكون استفزازيا ووحشا وشريرا في نفس الآن. وكل ذلك بشكل مجاني. خاصة في الوقت الذي ألقى فيه رئيس الحكومة الانتقالية المالية شوغيل كوكالا مايغا، يوم الاثنين 26 فبراير، خطابا قاسيا جديدا ضد الجزائر، أعلن فيه إنهاء دورها كوسيط في الأزمة التي تمر بها البلاد.
إذا لم يفهم أحد في النخبة السياسية الجزائرية جدوى وأهمية زيارة سعيد شنقريحة إلى كيغالي، فقد برزت في الأخير إلى النور: أقسمت الجزائر على زيادة عدد أعدائها.
تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أكبر الدول في إفريقيا، حيث يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة وتحتوي على أغلى المعادن في القارة، بل إنها لاعب أساسي في الساحة الإفريقية. ومن غير المرجح أن تطوي صفحة هذه الإهانة بهذه السهولة.
يبقى أن نعرف إلى أين سينتهي جنون القادة الجزائريين، الذين يعزلون البلاد يوما عن يوم. إلى درجة جعلها دولة ملعونة وممقوتة، دولة لا تسير عكس مسار التاريخ فحسب، بل تسير عكس منطق الجغرافيا أيضا.