وكأن الجزائر حلت كل مشاكلها الداخلية والخارجية، وعالجت مشاكلها الاقتصادية واستعاد الدينار قيمته واختفت طوابير المواطنين بوفرة المؤن الغذائية وعادت المياه المقطوعة إلى الصنابير وسيطر رجال الإطفاء على الحرائق الغابوية... لتصبح قضية إيمان خليف هي الشغل الشاغل لساسة الجزائر وإعلامها وبعض مواطنيها، إلى درجة احتدام النقاش حولها في أروقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة!
فقد وصل هذا النقاش إلى أروقة مجلس الأمن، متسبباً في توتر بين ممثل الجزائر ونظيره الروسي. وتطرق الممثل الروسي إلى ما وصفه بـ « إقصاء رياضيين من طرف آخرين فشلوا في اختبار الهرمونات »، في إشارة إلى الملاكمة الجزائرية التي تعرضت لهجوم واسع عقب فوزها على نظيرتها الإيطالية أنجيلا كاريني في وقت قياسي.
ورد ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة خلال جلسة الإحاطة بمجلس الأمن، مؤكداً أن « الملاكمة الشجاعة، الآنسة إيمان خليف، ولدت أنثى، وعاشت طفولتها بنتاً يافعة، ومارست الرياضة كامرأة بكامل المقاييس ».
🚨 Imane Khelif's father defends his daughter:
— Algérie Football Média 🇩🇿 (@DZFOOTBALLDZ) August 3, 2024
"My daughter is a woman, we have all the evidence, including her birth certificate.
My daughter was just stronger than the Italian boxer. She works very hard. ”
Terrible 💔💔💔 pic.twitter.com/P5dY63rkIz
ورغم هذا التصريح، استمرت الاتهامات بأن إيمان « متحولة جنسياً »، خاصة بعد تأهلها لنهائي وزن 66 كيلوغرام، لمواجهة ملاكمة صينية على الميدالية الذهبية يوم الجمعة 9 غشت 2024.
الإعلام يحوّر النقاش
في خضم انشغال الساسة الجزائريين بهذه الموضوع، فتح الإعلام الجزائري جبهة جديدة من خلال الهجوم على المغرب والمغاربة، متهمينهم بأنهم المسؤولون عن التشكيك في هوية إيمان خليف. حتى أن بعض الصفحات والمواقع الجزائرية شنت حملة تنمر بائسة ضد الملاكمة المغربية خديجة المرضي، التي لم يسبق أن أثيرت الشكوك حولها في أي محفل رياضي، في محاولة يائسة من الإعلام المسخر لتحوير النقاش.
غير أن عددا من المغاربة تصدوا لهذا الهجوم في صفحة « المنتخب الوطني الجزائري » على فيسبوك، مرددين جملة واحدة: « بطلتنا المغربية متزوجة وأم لطفلين!.. ».
تنذر وسخرية من الواقع
وتحول انشغال الساسة والمواطنون الجزائريون بقضية إيمان خليف إلى موضوع للتنذر والسخرية من الأوضاع المتردية التي تتخبط فيها البلاد.
وكتب صلاح دبوز، وهو محام جزائري من تيارت ويقيم في بروكسيل، نكتة ساخرة تعبر عن ما يراه سائدا في بلاده، حيث كتب في حسابه الفيسبوكي: « قالو لتبون إيمان خليف، وجمال سجاتي من ولاية تيارت اللي مافيهاش الماء، قال لهم إمالا اقطعو الماء على كل الولايات، باش يخرجولنا أبطال حتى هما... ».
وتعبر هاته النكتة فعلا عن الواقع المرير الذي يتخبط فيه سكان عدد من الولايات الجزائرية التي خاصمت مياه الشرب صنابيرها منذ أيام، على غرار ولاية تيارت التي تعيش أزمة حادة في المياه منذ شهر يونيو الماضي، على الرغم من أن الرئيس عبد المجيد تبون المقبل على عهدة ثانية، وعد سكان تيارت وقتذاك بأن يعيد لهم المياه في ظرف 48 ساعة فقط!
إقرأ أيضا : أزمة مياه الشرب بالجزائر تصل العاصمة وتشعل غضب السكان
تغطية على الأزمات
من ناحية أخرى، هاجم الإعلام الرسمي الجزائري الاتحاد الدولي للملاكمة، بسبب تصريحات رئيسه التنفيذي كريس روبرتس حين قال: « لا أستطيع الكشف عن نتائج اختبارات الأهلية بين الجنسين بالنسبة لإيمان خليف، ولكن استبعادها من بطولة العالم للسيدات 2023 يعني أن الجمهور يمكنه قراءة ما بين السطور ».
الرئيس الروسي للاتحاد الدولي للملاكمة، عمر كريمليف، المعروف بقربه من الرئيس فلاديمير بوتين، شن هجوماً حاداً على اللجنة الأولمبية الدولية بسبب سماحها لإيمان خليف بالمشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس، رغم استبعادها سابقاً من بطولة العالم بحجة ارتفاع معدلات هرمون تستوستيرون.
الإعلام الجزائري وصف الاتحاد الدولي للملاكمة بأنه « مزعوم » و »يحاول إثارة التشويش والغموض ضد البطلة الجزائرية إيمان خليف والإصرار على الاتهامات الباطلة والمُلفّقة بشأن جنسها ».
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سينجح النظام الجزائري في صرف انتباه الشعب عن الأزمات الداخلية بقضية هوية ملاكمة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات.