هل سيستقيل الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمان والحكومة التي يقودها بعد نشر الجريدة الرسمية يوم 27 شتنبر المرسوم الرئاسي رقم 23-331 الموقع عليه في 26 شتنبر 2023 من قبل عبد المجيد تبون، خاصة وأن هذا المرسوم يفرغ صلاحياتهم الدستورية من أي محتوى، لفائدة مدير ديوان ومستشاري الرئاسة الجزائرية؟
ويصبح السؤال مشروعا حيث يبدو أن تبون قد نفذ انقلابا من خلال تجنب تعديل وزاري واسع النطاق، ليقرر من جانب واحد تحويل مصالح الرئاسة إلى حكومة حقيقية، من خلال مرسوم بسيط، ويبدو أن المحكمة الدستورية الجزائرية قد تركته يمر، في حين أنه ينتهك بشكل صارخ الدستور الجزائري لعام 1996 (المعدل للمرة الرابعة في دجنبر 2020، على الرغم من المقاطعة شبه التامة للاستفتاء من قبل الهيئة الناخبة).
المرسوم الذي تم التوقيع عليه يوم الثلاثاء الماضي، ودخل حيز التنفيذ بعد أقل من 24 ساعة (وهي سابقة في مجال سرعة نشر مرسوم رئاسي)، يمنح صلاحيات واسعة للغاية لمدير الديوان والمستشارين في الرئاسة الجزائرية، إلى درجة أن تبون لم يعد بحاجة إلى تنسيق قراراته مع أعضاء الحكومة، مما يجعل من قصر المرادية القلعة الحصرية للسلطة التنفيذية.
يعدد الباب الأول من المرسوم المذكور كافة «الصلاحيات» الجديدة التي منحها تبون إلى «مصالح رئاسة الجمهورية». وأصبحت هذه المصالح، بموجب المادة 2 من المرسوم الرئاسي، مسؤولة عن «المتابعة والمشاركة في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية وتوجيهاته وقراراته ورفع تقارير إليه. وعلى هذا النحو، يقومون بمراقبة الشؤون الاقتصادية والأنشطة الحكومية والقضايا السياسية والمؤسسية، ويقدمون تقارير عن تطوراتها».
وتتعارض هذه الصلاحيات الممنوحة لمصالح الرئاسة مع المادة 105 من الدستور الجزائري التي تنص على أن رئيس الجمهورية «يعين وزيرا أولا ويكلفه باقتراح الحكومة ووضع خطة عمل لتنفيذ البرنامج الرئاسي الذي يعرضه على مجلس الوزراء». وهذا يعني إبعاد ضمني للوزير الأول وحكومته.
والأسوأ من ذلك أن هذا النص يضيف أن مصالح الرئاسة تساعد رئيس الدولة «في ممارسة صلاحياته ومسؤولياته الدستورية»، و«يجوز أن يعهد إليها... بأية مسؤوليات أو أنشطة أو مهام أخرى»، وهي محاولة واضحة لإعطاء طابع دستوري لفريق يجب أن يقتصر دوره على تنظيم أجندة الرئيس ومراسلاته واستقبالاته وغيرها من الزيارات التي يقوم بها، مع تقديم المشورة له التي تساعده في اتخاذ قرارات معينة.
كما مصالح الرئاسة، من خلال اهتمامها أيضا «الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد»، و«الدراسات المتعلقة بالملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو الطاقية»، فضلا عن «معالجة وتحليل الطلبات المقدمة من المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين وغيرهم من الطلبات الخاصة، بالتنسيق مع المستشارين» تدوس أيضا على الصلاحيات الدستورية لمؤسسات الدولة مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة المجلس الوطني الشعبي الذي صوت واعتمد خطة عمل الحكومة التي أعدتها بهدف تنفيذ البرنامج الذي تعهد الرئيس بتنفيذه خلال فترة ولايته.
وعلى الرغم من أن المادة 4 من المرسوم المذكور تنص على أن «مصالح رئاسة الجمهورية لا يمكنها أن تحل محل المؤسسات والإدارات المختصة أو أن تتدخل في ممارسة صلاحياتها»، فإن ذلك لا يغير شيئا من عدم دستورية هذا المرسوم الذي تم التوقيع عليه ونشره على عجل من قبل تبون.
ومع كل هذه الصلاحيات الممنوحة لمعاونيه في قصر المرادية، لن يحتاج عبد المجيد تبون بعد الآن إلى التوجه إلى أعضاء الحكومة، بل سيمارس السلطة بمعزل عنهم، إن لم نقل بطريقة عشائرية. كما أنه يجعل البرلمان قوقعة فارغة، الذي لم يعد له أي دور، لكنه في الواقع سيجد نفسه متجاوزا من قبل حكومة تبون الجديدة.
مع ذلك، اعتقد الجميع أن هؤلاء المستشارين الرئاسيين، الذين يشكلون اليوم حكومة عليا، سيتم انتقادهم وإقالتهم بعد زلات عبد المجيد تبون وأكاذيبه التي سمحوا بمرورها، وآخرها فضيحته في خطابه أمام الجمعية العامة الـ78 للأمم المتحدة حيث أكد أن بلاده ستقوم العام المقبل بتحلية 1.3 مليار متر مكعب من مياه البحر يوميا!
من خلال منح صلاحيات واسعة لمستشاريه، يبدو أن تبون قد نفذ مناورة خطيرة في الحرب المستعرة بينه وبين عشيرة الجنرالات المسؤولين عن العشرية السوداء. في محاولة يائسة لفرض نفسه كمرشح وحيد لـ«النظام» للحصول على ولاية جديدة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تصرف تبون بعد أن تم انتقاد مستشاريه مؤخرا من قبل رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة. هذه الأخيرة قالت لهم بوضوح، كتابيا وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، إن السلطة في الجزائر لا تزال بين أيدي «أصحاب القبعات»، في إشارة إلى الجنرالين المتقاعدين خالد نزار ومحمد مدين المعروف بتوفيق، وكذلك رئيس الأركان، سعيد شنقريحة.