وخلال ندوة صحفية عقدها الأحد الماضي عقب اختتام الجامعة الصيفية لحزبه، لمح بن قرينة بشكل واضح إلى أن ولاية تندوف خرجت من سيادة الدولة الجزائرية، لتتحول بحكم الأمر الواقع إلى كيان جديد يجاور الجزائر وتديره قيادة البوليساريو.
بن قرينة، المعروف بولائه الأعمى للنظام القائم في الجزائر ودعمه لأطروحاته، أراد أن يذهب أبعد من مجرد ترديد خطاب النظام، فبارك على طريقته ما سماه الرئيس عبد المجيد تبون بـ«التعبئة العامة» التي أعلنها مؤخراً دون مبرر واضح، مؤكداً أنه «لا يجب أن يفلت شبر واحد» من ذلك.
ولإثبات وجهة نظره، عدّد حدود الجزائر كما يراها، قائلاً: «حدودنا مع تونس، حدودنا مع ليبيا، حدودنا مع مالي، حدودنا مع النيجر، حدودنا مع تندوف، وحدودنا مع المغرب».
عبد القادر بن قرينة يعترف بان تندوف توجد خارج حدود الجزائر ويقول:
— وليد كبير Oualid KEBIR🇩🇿 (@oualido) September 3, 2025
"حدودنا مع تندوف"
ومنين حنا نقولولهم كاينة جمهورية اسمها تندوف يزعفوا
ايا ردوها على بن قرينة 😁 pic.twitter.com/uIEGHc7waY
إشارة بن قرينة إلى « تندوف » ككيان حدودي مستقل أثارت جدلاً واسعاً، خصوصاً أنه لم يتراجع عن تصريحه أو يوضحه لاحقاً، رغم التساؤلات التي خلفتها تصريحاته داخل الجزائر وخارجها.
ويعتبر بن قرينة من السياسيين المطلعين على كواليس النظام الجزائري، وقد دعم بقوة مرشح النظام عبد المجيد تبون خلال الانتخابات الرئاسية 2024. لذلك رأى متتبعون أن إشارته إلى «دولة تندوف» ربما كشفت جانباً مما يطبخ داخل نظام مأزوم يبحث عن مخرج من ورطة دعمه المستميت لجبهة البوليساريو، التي أثقلت كاهله ماليا ودبلوماسيا.
فهل يكون إنشاء « دولة في تندوف » هو الحل الذي تبحث عنه الجزائر للتخلص من عبء البوليساريو؟ سؤال طرحه كثيرون بعد تصريحات بن قرينة، التي رسمت بوعي صورة جديدة لحدود البلاد.
البعض اعتبرها «قنبلة سياسية»، فيما رأى آخرون أنها مجرد « بالون اختبار » لحل بديل عن ما يسمى بـ«الجمهورية الصحراوية».
وفي خضم ذلك، لم يتردد بن قرينة في توجيه نصائح للفاعلين السياسيين والاجتماعيين في الجزائر، داعيا إياهم إلى التحلي بما وصفه بـ« الوضوح » في قراءة الأحداث، بعيداً عن المبالغات والاتهامات.
اللافت أن بن قرينة لم يذكر موريتانيا ضمن الدول المجاورة للجزائر، رغم أن حدود تندوف تمتد على مسافة تقارب 500 كيلومتر مع الأراضي الموريتانية. ما يعني أن « دولة تندوف » المزعومة، وفق تصريحه، ستفصل الجزائر عن موريتانيا لتصبح الأخيرة على تماس مباشر مع الكيان الجديد.
تصريحات بن قرينة لم تلق أي رد فعل رسمي، لا من السلطات ولا من وسائل الإعلام التي حضرت المؤتمر الصحفي. لكن الغضب اجتاح مواقع التواصل في الجزائر، حيث طالب كثير من المعلقين بمحاكمته بتهمة «المساس بالوحدة الترابية للجزائر»، فيما اعتبر آخرون أن الأمر مجرد «زلة لسان».
غير أن ما كشفه بن قرينة بدا محرجاً للنظام. فقد أكد أن الرئيس تبون تعرض منذ 2020 للتضليل من وزرائه الذين قدموا له أرقاما وهمية لم يتحقق منها، ما جعله محل سخرية دولية. وأبرز مثال على ذلك خطابه في الأمم المتحدة عام 2023، حين ادعى أن الجزائر تنتج 1,3 مليار متر مكعب يوميا من مياه البحر المحلاة، وهو رقم خيالي أثار موجة تهكم.
كما اتهم بن قرينة وزير الخارجية أحمد عطاف بالتصرف بشكل فردي وإقصاء الأحزاب السياسية من الدور الدبلوماسي، معتبراً أن وزارته تحولت إلى مجرد « إدارة لاستدعاء الدبلوماسيين المعتمدين بالجزائر وتوبيخهم».
ورغم خطورة هذه الانتقادات، فإنها بدت ثانوية أمام ما وصف بـ«قنبلة تندوف». الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف إن كانت الجزائر مقبلة فعلا على إعادة رسم حدودها.



