إنها النهاية المتوقعة لمهزلة طويلة وشاقة. تم تعيين عبد المجيد تبون، مرشح النظام لخلافة نفسه، مرة أخرى على رأس الدولة الجزائرية، بنسبة ستالينية بلغت 94.65% من الأصوات، مقابل 3.17% لعبد العالي حساني (57 سنة)، رئيس الحزب الإسلامي الرئيسي. حركة مجتمع السلم التابعة للنظام، و2.16% ليوسف أوشيش (41 سنة)، رئيس جبهة القوى الاشتراكية منذ 2020، وهو حزب تاريخي معارض متمركز في منطقة القبائل، والذي قاطع الانتخابات الرئاسية في سنة 1999. وأعلنت الهيئة الانتخابية، اليوم الأحد، أن 5.320 مليون صوتوا لتبون من أصل 5.630 مليون صوت. وفي نظام سياسي مغلق منذ «الاستقلال» ويسيطر عليه الجيش، لم يشك أحد في أن الرئيس المنتهية ولايته، البالغ من العمر 78 سنة، ستتم إعادة انتخابه في الجولة الأولى.
في السلسلة الطويلة من الغرائب التي أتحفنا بها النظام الجزائري ورئيسه المعين طوال هذه المهزلة الانتخابية في الأسابيع الأخيرة، سوف نتذكر هذه الواقعة الفريدة: لم تسجل الحملة الانتخابية أي مناظرة بين المرشحين! اقتصر «منافسو» تبون على عدد قليل من المونولوجات (التي لا نهاية لها)، جوفاء ورنانة. ولم يسمح بأي انتقاد لحصيلة «المنافس» تبون، رغم أنها كانت كارثية على جميع المستويات. ليس بسبب نقص المعطيات، ولكن قبل كل شيء بسبب غياب الحرية. فالرئيس المنتهية ولايته (والمعاد تعيينه)، والذي أصبحت أدنى تصرفاته وتصريحاته مصدر نكتة على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية، لم يذكر بالاسم في أي وقت من الأوقات من قبل منافسيه،
كانت مهمة عبد المجيد تبون، الواثق من الفوز مع أحزاب شكلية وفاعلين قي المجتمع المدني الذين دعوا بالإجماع إلى إعادة تعيينه في منصب رئيس الدولة، سهلة للغاية. لأنه بدلا من انتقاده أو منافسة مرشح الطغمة العسكرية، كان المرشحون الآخرون، في أحسن الأحوال، بمثابة قناة إضافية تدعو الجزائريين إلى التصويت بكثافة. وهكذا، دعا المرشح الإسلاميين عبد العالي حساني، بعد تصويته، الجزائريين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع، لأن «نسبة المشاركة العالية تعطي مصداقية أكبر لهذه الانتخابات». إذن هذا هو التحدي: نسبة المشاركة. كما حث أوشيش «الجزائريين على المشاركة بقوة». ولكن دون جدوى، ذهبت هذه النداءات أدراج الرياح. فالجزائريون كانوا يعلمون جيدا أن اللعبة منتهية وأن نتيجة التصويت محسومة مسبقا، وبالتالي فإن عددا قليلا جدا من الجزائريين توجهوا إلى مراكز الاقتراع. إن صور تلك المراكز الفارغة تماما وصور هؤلاء الجنود، المتنكرين بشكل فج في زي مدني، والذين حشدهم النظام لتضخيم نسبة المشاركة من خلال إجبارهم على التصويت، لا تحتاج إلى تعليق.
🔴 الإنتخابات الرئاسية الجزائرية عكس ما يروج بنجاحها إلا أنها عرفت (من غير العساكر لي صوتوا) عزوفا كبيراً من طرف المدنيين ...
— ۞⛥Kęñzā⛥۞ (@Knizakenzaa) September 7, 2024
"الشعب حرگ... مكاش لي جا يڤوطي"#الانتخابات_الرئاسية #الانتخابات_الرئاسية_الجزائرية #الجزائر_تنتخب #الجزائر_المنكوبة pic.twitter.com/iTYfRhC4zO
Début de la mascarade électorale en #Algérie où l'armée va reconduire #Tebboune pour un deuxième mandat❗On peut voir sur les images que des jeunes militaires "réquisitionnés" pour voter.. la preuve : c'est quasiment mission impossible de repérer un jeune portant une barbe. Pour… pic.twitter.com/R5oQt7xCIe
— Chawki Benzehra شوقي بن زهرة (@ChawkiBenzehra) September 7, 2024
Bureaux de vote vides en Algérie (AFP)
رد الجميل لمن يدين بكل شيء للجيش. ففي يونيو الماضي، وقع الرئيس تبون مرسوما يسمح للجيش بتدبير إدارات مدنية. وهي وسيلة لتعزيز نفوذ الطغمة العسكرية والبقاء في أمان.
في بلد لا يوجد فيه أي هامش حتى لبداية حياة ديمقراطية سليمة، فإن نسبة المشاركة الذي تم الإعلان عنه مساء أمس السبت عند الساعة الثامنة مساء، والذي تم تحديدها عند 48.3 % على المستوى الوطني، هي نسبة مغلوطة. ففي الساعة الخامسة مساءً كانت النسبة في حدود 26%. فكيف تضاعف هذا الرقم تقريبا خلال 3 ساعات. دليل آخر على التلاعب في نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية: فقد أظهر الموقع الرسمي لـ«الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات»، برئاسة محمد الشرفي، عند الساعة الخامسة مساء (انظر الصورة أدناه) نسبة مشاركة بلغت 16.46% قبل حذف المنشور بعد 30 دقيقة والإعلان عن نسبة تصل إلى 26.45 %.
من الواضح أن هذه المهزلة برمتها لا يمكنها أن تنطلي على التمثليات الأجنبية والمنظمات الدولية التي تعي حجم الكارثة ولاشعبية النظام.
التلاعب في نسبة المشاركة
وبحسب هذا العارف بخبايا السياسية الجزائرية، ولكي يكون الرقم ضعيفا جدا، يجب تقسيم الرقم المعلن عنه في النهاية على ثلاثة على الأقل ليقترب قليلا من الحقيقة. يشار إلى أنه في دجنبر 2019، حطمت المقاطعة الانتخابية الأرقام القياسية، حيث بلغت نسبة المشاركة 39.83٪ خلال الانتخابات التي عين فيها النظام الجزائري تبون بنسبة 58٪ من الأصوات، وكان ذلك في أوج الحراك الشعبي المناهج للنظام، بينما قاطعت العديد من الأحزاب التصويت. الأرقام مرة أخرى يجب أن تؤخذ بنوع من الحذر الشديد.
بالنسبة لهذه الانتخابات الرئاسية، أراد النظام بالتأكيد أن تكون نسبة التصويت أعلى من تلك التي كانت في عام 2019. وبسبب الذعر، قام النظام بتمديد أوقات التصويت لمدة ساعة لمزيد من التلاعب في نسبة المشاركة. ولكن لم يتحقق ذلك. «بناء على تجارب التزوير السابقة، تجنب الشعب الجزائري إلى حد كبير الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم السبت 7 شتببر»، هكذا علقت صحيفة «لو ماتان دالجيري» في مقال بعنوان مثير للغاية: مهزلة الانتخابات الرئاسية. ولخصت الصحيفة الأمر قائلة: «في الساعة 10 صباحا، أعلنت هيىة مراقبة الانتخابات عن نسبة مشاركة رسمية قدرها 4.56%. وفي الساعة الواحدة بعد الظهر، أعلنت الهيئة نفسها عن مشاركة بنسبة 13%. والأمر الغامض هو أن هذا المعدل سيتضاعف عند الساعة الخامسة مساء. شيء لا يمكن تصديقه». ومنذ ذلك الحين، وحتى إعلان النتائج، ساد الصمت المريب.
ففي بيان صحفي صدر يوم السبت، حتى قبل إعلان نتائج المهزلة الرئاسية، أكد محسن بلعباس، الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، «الرفض القوي والقاطع للنظام القائم». وأضاف قائلا : «إن الاعتقالات التعسفية، والقيود المفروضة على الحريات الأساسية، واستغلال القضاء، وتهميش المعارضين: لم تؤد هذه الممارسات الاستبدادية إلا إلى توسيع الفجوة بين السلطة والموطنين المحبطين. إن هذه الاستراتيجية القمعية، التي لن تحقق الاستقرار في البلاد، ساهمت في تسريع فقدان شرعية المؤسسات وخنق أي تطلع إلى تغيير حقيقي».
الأمر كله يتعلق بمعرفة الإعلانات المذهلة والإنجازات الرائعة التي سيظل الرئيس السابق الجديد قادرا على التفاخر بها. ستكون السنوات الخمس المقبلة طويلة جدا بالنسبة للشعب الجزائري. ستيعين عليه أن تتحمل خلال خمس سنوات مقبلة الحماقات والهلوسات التبونية التي يبدو أنها تجاوزت نقطة اللاعودة.